في ضربةٍ جديدة لتنظيم داعش بالجزائر، أعلنت وزارة الدفاع، الأحد 26 مارس/آذار 2017، أنَّها قتلت "إرهابييْن خطيريْن"، أحدهما كان يتولّى قيادة الفرع المحلي التابع للتنظيم في البلاد. وكان نور الدين لعويرة، المُكنَّى "أبو الهمام" أو "نور"، دون الخلط بينه وبين يحيى أبو الهمام، أمير منطقة الساحل ضمن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، أمير سَرية الغرباء (في مدينة قسنطينة ومحيطها)، والتي بايعت داعش بعد انفصالها عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في يوليو/تموز 2015.
واستفاد داعش، المُتمركِز أساساً في حي فوبور لامي الذي تقطنه الطبقة العامِلة في قسنطينة، من تفكيك الحي القصديري (العشوائي) وترحيل سُكَّانه إلى مدينة علي منجلي، الواقعة نحو 15 كم خارج قسنطينة، وهي عبارة عن مدينة داخلية (بعيدة عن البحر) تقع شمال غربي الجزائر، حيث بدأ التنظيم الآن في مَد نفوذه أيضاً.
ووفقاً لمعلومات جمعها موقع ميدل إيست آي البريطاني، فإنَّ كلا الرجلين اللذين قُتِلا نهاية الأسبوع جرى التعرُّف عليهما ومتابعتهما في وقتٍ سابق نتيجةً لمعلوماتٍ استخبارية تلقَّتها قوات الأمن الجزائرية.
وآثرت تلك القوات الانتظار حتى عُزِل المُتشدِّدون في منطقة جبل الوحش، التي تُشرِف على مدينة قسنطينة، وذلك لتقليل أية أضرار جانبية أو المجازفة بهروبهم.
وتزعم السلطات أنَّها عثرت على السلاح الخاص بأبو الهمام، وهو مسدس بريتا 92 استُخدِم في إرداء عمار بوكعبور وهو شرطي قُتِل بثلاث طلقات في أكتوبر/تشرين الأول 2016 في قسنطينة، وهي حادثة إطلاق النار التي تبنَّاها داعش لاحقاً.
وقال مصدر أمني جزائري: "نُسِبت جريمة القتل إلى أبو الهمام، الذي يُشتَبه أيضاً في مشاركته بالتخطيط للهجوم المُجهَض ضد مركزٍ للشرطة في قسنطينة في 26 فبراير/شباط 2017، والذي تبنَّاه داعش. وحتى إذا كان الانتحاري قد جاء من جيجيل (التي تقع خارج قاعدة داعش في قسنطينة)، فمن المعروف أنَّ سرية الغرباء هي التي خطَّطت للعملية".
3 مجموعات وبالكاد 100 رجل
وبسبب البداية سيئة السمعة لداعش، من خلال خطفه وقتله السائح الفرنسي هيرف غورديل في سبتمر/أيلول 2014، ورفض عدد من الشخصيات البارزة من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الانضمام إليه، فإنَّ التنظيم لم يتمكن من إقامة ولاية الجزائر، وهو الاسم الذي يُطلقه داعش على كافة خلاياه النائمة في الحضر والفصائل المسلحة النشِطة في التلال الجزائرية.
وبحسب مصادر أمنية، فإنَّ الرصيد البشري للتنظيم الآن يُقدَّر بـ80 رجلاً فقط، موزَّعين على 3 مجموعات.
وقال مصدر عسكري: "في الشرق، تُوجَد سرية الغرباء (في منطقة قسنطينة)، وكتيبة الاعتصام (في منطقة سكيكدة)، والمعروفة أيضاً باسمها الجديد أنصار الخلافة. وتضم هاتان المجموعتان وحدهما 50 رجلاً أو نحو ذلك. ويُوجَد كذلك جنود سابقون من الجماعة الإسلامية المُسلَّحة (وهي تنظيم مُسلَّح من عقد التسعينات)، ويرتبط دورهم في الغالب بالتنسيق والأعمال اللوجستية".
وانبثقت كتيبة أنصار الخلافة من كتيبة الشهداء التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. واستقرَّت كتيبة الشهداء في المنطقة المُشجِرة التي يصعب الوصول إليها حول سكيكدة، في خليج ستورا شمال شرقي قسنطينة، في بداية العقد الأول من الألفية الجديدة في أعقاب قرار العديد من المجموعات في سكيكدة وجيجيل والبربر التخلّي عن القتال من أجل ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، الذي منح عفواً لجميع المقاتلين الإسلاميين المُسلَّحين الذين اختاروا التخلّي عن القتال.
وتفيد التقارير بأنَّ عمَّار لملوم، المُكنّى بزكريا الجيجلي، يقود هذه المجموعة التي لا تزال نشطة. ومنذ صيف عام 2015، ضيَّق الجيش الخناق على المنطقة بنشره أكثر من 4000 جندي في عملياتٍ شهدت الكثير من القتلى.
وقال المصدر العسكري: "وفي المركز، في مثلث البويرة-بومرداس-بجاية (في منطقة القبائل)، تُوجَد المجموعة المعروفة باسم جند الخلافة. ومنذ مقتل قائدها المُفتَرَض، عثمان العاصمي، في مايو/أيار 2015، أصبحت هُوية أميرها مجهولة".
وأضاف: "لا نعرف من هو الأمير الذي يقود التنظيم. وقد طُرِح اسم أبوالهمام، لكنَّنا نعلم أنَّ ذلك غير صحيح".
الخسائر التي لا يُعوِّضها التجنيد
ويُعتَقَد أنَّه من المُستبعد أن يكون أبو الهمام هو القائد العام لداعش في الجزائر، أولاً لأنَّه أصبح مُتشدِّداً فقط في عام 2008، وكان فيما سبق عضواً صغيراً نسبياً في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
وقال المصدر العسكري: "وبالتالي فإنَّه يُعتَبَر "حديثاً" ولا يمكنه، وفقاً لهذا، أن يطالب بمسؤوليةٍ كهذه".
وأضاف المصدر: "ودليلٌ آخر على ذلك يتمثَّل في حقيقة أنَّه قُتِل بينما كان يسافر رفقة نائبه. لكنَّه في حال كان أميراً، لتواجد على الأقل 4 أو 5 مسلحين حوله".
وبحسب المصدر، فإنَّ أمير ولاية الجزائر لا يشارك شخصياً في أية عمليةٍ مباشرة في المدينة، مثل تلك التي قُتِل فيها الشرطي في قسنطينة.
وأضاف: "وأخيراً، تُعَد أكثر المجموعات التابعة لداعش قوةً هي جند الخلافة، وذلك كما يتبين من أهم العمليات التي قادها الجيش الجزائري منذ 2014 في سلسلة جبال البيبان. ففي عمليةٍ جرت في فبراير/شباط، إلى الشمال الشرقي من البويرة، قُتِل 14 إرهابياً و9 جنود. وبالتالي من المستحيل أن يكون الأمير متواجداً في قسنطينة (حوالي 300 كم إلى الشرق)، في حين تتواجد أكبر قوات داعش في هذه المنطقة (البويرة)".
وفي ظل مقتل 200 رجل في المتوسط (من كافة المجموعات) كل عام على يد الجيش الجزائري، تواجه الجماعات المسلحة في الجزائر اليوم صعوبات جمّة، وتعاني من خسائر لا يمكن لعمليات التجنيد الجديدة تعويضها.
هذا لدرجة أنَّ - وبحسب مصدر أمني جزائري تواصل معه موقع ميدل إيست آي - القادة المحلِّيين لداعش طلبوا من الجنود التابعين لخلايا موجودة في تونس وليبيا الالتحاق بهم.
وقال المصدر: "يُظهِر هذا أنَّهم يعانون من أجل تجنيد أعضاء جُدد. فالجزائريون إمَّا يُقضى عليهم خلال عمليات الجيش، أو يرغبون في الاستفادة من ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. وهذا هو السبب في أنَّ المُنضمِّين الجُدُد لتلك الجماعات يكونون بالأساس من الأجانب من مالي، والمغرب، والنيجر، وتونس، وليبيا".
ومع ذلك، لا تشارك الأجهزة المخابراتية المصدر الأمني هذا التفاؤل.
فقال خبيرٌ في مكافحة الإرهاب: "صحيح أنَّهم أصبحوا أضعف ومن وجهة نظر البعض، معزولين للغاية. لكن مع ذلك، لا يجب أن ننسى أنَّ الانتصار الحقيقي بالنسبة للإرهابي هو أن يبقى على قيد الحياة".
وأضاف: "إنَّهم يعلمون أنَّ مصلحتهم تتمثَّل في البقاء مُتخفِّين بينما ينتظرون وضعاً يكون مواتياً لهم بصورةٍ أكبر، كعدم الاستقرار السياسي على سبيل المثال. وفي هذه الحالة، وفي عشيةٍ وضحاها، يمكنهم أن يُجنِّدوا أعضاءً جُدُداً وأن يصبحوا مُستعدين للعمل مرة أخرى. إنَّ القضاء عليهم بصورة كاملة مستحيل، وهنا يكمن الخطر".
تنظيم القاعدة يتمتَّع بأفضلية على داعش
وفي أثناء ذلك، يبدو أنَّ أمير تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي قد حقَّق نجاحاً أكبر بكثير من نظرائه في داعش.
فقد أصبح عبدالمالك دروكدال، الذي يناهز عامه الخمسين، معزولاً للغاية على مدار السنوات. فمن جبال منطقة القبائل في شمال البلاد، حيث يُفتَرَض أنَّه يختبئ، شَهِد تنظيمه تطوُّراً على مدار السنوات، واكتسب نفوذاً مطرداً في منطقة الساحل، على الرغم من أنَّ أرضه المركزية الأصلية قد ضعفت.
وبقي شاهداً على التحرُّك الأخير المهم الذي وقع حينما أُعلِن الاندماج بين المجموعة التي يقودها مختار بلمختار (المرابطون)، وبين المجموعة التي يقودها الطارقيّ المالي إياد آغ غالي (أنصار الدين)، ومجموعة جمال عُكاشة، المُكنَّى بيحيى أبو الهمام (إمارة منطقة الصحراء، وهي إحدى فروع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي).
وبايعت الحركة الجديدة، التي سُمِّيت "جماعة نُصرة الإسلام والمسلمين"، أيمن الظواهري، الزعيم الحالي لتنظيم القاعدة. وقال مصدر أمني جزائري: "اعترضت الأجهزة الأمنية الغربية في نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2016 رسائل بريد إلكتروني بين أيمن الظواهري، وإياد آغ غالي، وجمال عكاشة".
وقال: "طلب أمير القاعدة من زعماء الجهاديين في شمالي مالي أن يتحَّدوا تحت راية القائد نفسه بهدف تقديم أنشطتهم في شمال مالي كمقاومةٍ شرعية ضد الاحتلال الفرنسي".
وفي بيانٍ أمس السبت، الأول من أبريل/نيسان 2017، أعلنت المجموعة مسؤوليتها عن هجومٍ جرى في 29 مارس/آذار 2017 وأسفر عن مقتل ثلاثة أعضاء من قوات الأمن المالية بالقرب من الحدود مع بوركينا فاسو".
وكان هذا الهجوم هو العملية الثانية التي تتبنَّاها المجموعة بعدما قالت إنَّها كانت مسؤولة عن قتل 11 جندياً في المنطقة نفسها في 5 مارس/آذار".
وفي حين فقد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الكثير من الجنود، بحسب أجهزة المخابرات، فإنَّ التنظيم لا يزال لديه نحو 500 عضو. وفي نهاية المطاف، أظهر التنظيم، بمرور الوقت، مقدرةً كبيرة على التأقلم.
وقال مصدرٌ عسكري: "لقد واجه انشقاق جزء كبير من قادته لصالح داعش "إلّا أنَّه" قام بتعديل أساليب قتاله وتواصله بهدف تقليص خسائره".
وأضاف: "تتمثَّل أفضلية تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي على داعش، بخلاف عدد الأفراد، في أنَّ لديه معرفة واسعة بالميدان والخبرة المُتعلِّقة بعدد السنوات التي قضاها في مجال الإرهاب. وفي نهاية المطاف، لديه أفضل المكامن للاختباء فيها".
وفي مقابل هذا، يسعى داعش إلى البقاء على قيد الحياة بينما يتحيَّن عودةً مُمكنة لمقاتلي داعش من سوريا أو ليبيا.
وقال الخبير: "إنَّ تعبير "بقايا الإرهاب" الذي تستخدمه السلطات الجزائرية واقعي. ومع ذلك، ففي حالة داعش كما في حالة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، من المهم عدم التقليل من شأن التهديد. ففي ليلةٍ وضحاها، وفي سياقٍ مواتٍ لهم، بإمكانهم أن يعيدوا إنتاج أنفسهم".
هافينغتون بوست عربي