مرسوم (ترامب) ليس الأول في تاريخ أميركا.. مراجعة في تاريخ الهجرة! | 28 نوفمبر

 

فيديو

مرسوم (ترامب) ليس الأول في تاريخ أميركا.. مراجعة في تاريخ الهجرة!

أربعاء, 08/03/2017 - 19:05
د. سلمى عراف ـ بيكر

أثار مرسوم الرئيس الأميركي (دونالد ترامب) إدانة واسعة داخل وخارج الولايات المتحدة، خاصة من قبل الدول السبعة التي استهدفهاالأمر التنفيذي، علما أن هذه ليست المرة الأولى التي أغلقت فيها أميركا حدودها أمامالمهاجرين.  فكما جاء في المرسوم، يتم تعليق استقبال اللاجئين في الولايات المتحدة لمدة مئة وعشرين يوما،وفرض الحظر على دخول المهاجرين من سوريا لفترة زمنية غير محددة، ومنع دخول مواطني إيران وسوريا والعراق وليبيا والصومال والسودان واليمن إلى الولايات المتحدة لمدة تسعين يومابعد إقرار الوثيقة.

 إن مراجعة تاريخ الهجرة الى الولايات المتحدة يفتح المجال لفهم أعمق لسياسة البلاد في التعامل مع مسألة المهاجرين واللاجئين، وإن كان هناك من يؤيد أو يعارض، ويوضح أيضا أن القلق والخوف الذي تبديه المعارضة وتروج له إعلاميا ضد الرئيس الحالي وحزبه الجمهوري لهو مشهد متكرر لتنافسية حزبية، وأيضا قلق حيال شخصية (ترامب) بسبب تصريحات سابقة له (أخذت عليه ممسكا من قبل الديموقراطيين الليبراليين) تمس بكرامة المرأة واحترامها، على حد تعبيرهم، ومسألة الاجهاض، وبناء الحائط مع حدود المكسيك، من بين أمور أخرى،وتظهر (ترامب) كشخص غير مرغوب به، يكسر القوانين ولا يستحق أن يكون رئيسا ممثلا للأمريكيين. ولا شك أن لهذا الموقف دوافعه وأسبابه ويمكن التطرق إليها في مقالة مخصصة لهذا الموضوع.

وبالتركيز على شخصه، اتهم (ترامب) بأنه يستهدف المسلمين، رغم أن الأمر التنفيذي لم يشمل جميع الدول الإسلامية، او الدول ذات الأغلبية الإسلامية. كما واتهم بمخالفة الدستور، فتجند محامون لملاحقته قانونيا، رغم ان موقفه يبدو مشروعا ولا يخالف المبادئ الدستورية. والحقيقة هيأن السلطات القانونية والدستورية الأمريكية تدعم بشكل كبير قدرة الرئيس على إصدار مثل هذا الأمر التنفيذي، و” للرئيس السلطة على الحد من قبول طلبات اللاجئين وإصدار التأشيرات لدول معينة، إذا تقرر أن هذا يصب في المصلحة العامة للبلاد”.

فمن “وجهة النظر القانونية إذا سيكون ذلك ضمن نطاق حقوقه القانونية تماما”،كما أشار (ستيفن ليغومسكي)، أستاذ فخري بكلية الحقوق بجامعة واشنطن في مدينة (سانت لويس/ولاية ميزوري)وكبير المستشارين القانونيين لخدمات الجنسية والهجرة في إدارة الرئيس السابق (باراك أوباما).

وفي الواقع أن القلق حول مسألة اللاجئين والمهاجرين ورغبة الرئيس في تهدئة هذا القلق هي مسألة يعود قدمها إلى عمر الجمهورية. فلقد حدد الأمريكيون الهجرة في فترات الخوف، وكانت المخاوف تتبدد وسط عواطف مهدئة وإعادة تنشطة المعارضة. وهذا ما قد حصل فعلا في الآونة الأخيرة، فرغم المعارضة المستمرة، أعلنت بعض الولايات، ومنها ولاية واشنطن، تعاملها مع المرسوم كأمر واقع قانوني واستئناف الأشغال المتعلقة بهذا الواقع. وتعاطفت شريحة كبيرة من المواطنين وطالبوا بإعطاء الفرصة للرئيس ليمارس أعماله من خلال صلاحياته الدستورية والقانونية.واليوم، تم التصريح عن أن الولايات المتحدة لا تستبعد توسيع قائمة البلدان التي يحظر على مواطنيها الدخول إلى الأراضي الأمريكية.

وفي إطار هذه الصلاحيات، رأى (ترامب) في تحديد الهجرة أمام تدفق المهاجرين خطوة تصب في المصلحة القومية لبلاده. حيثأن “الفوضى الهائلة التي تسود أوروبا اليوم”، بشكل خاص، جراء تدفق المهاجرين، كان بمثابة إنذار للإدارة الأمريكية لاتخاذ الإجراءات الآزمة مسبقا “لحماية الولايات المتحدة من الإرهاب”، كما قال (ترامب). ففي تغريدة له، نشرها على حسابه في موقع “تويتر” الأحد، 29 كانون ثاني، شدد على أن بلاده “تحتاج اليوم إلى حدود محكمة وإجراءات مشددة للتدقيق (لمن يريد عبورها)”.

وإذا ما قمنا بمراجعة تاريخ الهجرة الأمريكية التي حظرت فيها الولايات المتحدة المهاجرين إلى شواطئها على مدى المائتي سنة الماضية، لرأينا أن الرؤساءالأمريكيين المتعاقبين قد وضعوا قيودا على هجرة جماعات معينة، بحسب ما تقتضي به الضروريات الأمنية والاقتصادية على فترات مختلفة. وفيمايلي أهمالفتراتالتي صدرت فيها قوانين لتقييد مثل هذه الجماعات من دخول البلاد.

بدأ الحدث الأول عام 1798 مع الرئيس الثاني للولايات المتحدة (جون أدم). ففي خضم الحديث عن الحرب مع فرنسا آنذاك، وقع الرئيس على “قوانين الأجنبي والتحريض على الفتنة” والتي من وجهة نظره كانت تحمي المصلحة القومية ضد المعارضة الدولية والإثارة الخارجية.

بعد إقرار هذه القوانين من قبل الكونغرس، في حينه تحت سيطرة فيدرالية، زادت هذه القوانين من عدد السنوات التي كان على مقدمي طلبات المواطنة أن ينتظرها، كما وخولت الرئيس بترحيل أي أجنبي يعتبر خطرا على البلاد. وعلى المدى القصير، كان لهذه القوانين نتائج غير مقصودة، ألا وهي إعطاء الفرصة لمعارضي الرئيس (جفرسونوماديسون) لهزيمة الفيدراليين في انتخابات 1800.

إقصاء الصينيين ـ  في السادس من شهر آيار عام 1882، وقع الرئيس (تشستر ألان آرثر) على قانون إقصاء الصينيين،حيث منع “العمال الصينيين، المهرة وغير المهرة منهم، العاملين في التعدين” من دخول الولايات المتحدة لمدة عشرة أعوام، وكان هذا القانون الأكثر أهمية في الحد من الهجرة إلى البلاد. وجاء ذلك في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة تعاني من ارتفاع معدلات البطالة، رغم أن المجموعة الصينية كانت تكوّن شريحة صغيرة جدا من القوى العاملة في البلاد.

كما ووضع القانون قيودا على الصينيين الذين كانوا في ذلك الحين في الولايات المتحدة بحيث تم إجبارهم على الحصول على شهادات من أجل إعادة إدخالهم في حالة تركهم البلاد ومنعهم من الحصول على الجنسية.

انتهت مدة صلاحية القانون عام 1892 ولكن تم تمديدها لمدة عشر سنوات أخرى بصيغة (قانون جيري)، حيث فرضت قيود إضافية على السكان الصينيين من البلاد، وتم إجبارهم على تسجيل أنفسهم والحصول على شهادة الإقامة، والتي بدونها كان يحق للسلطات أن تقوم بترحيلهم.

تغير هذا المرسوم عام 1943 مع (قانون ماغنسان)، والذي سمح لبعض الصينيين بالهجرة، ولبعض آخرين منهم كانوا يقيمون في أميركا ليصبحوا مواطنين بالتجنس، ولكن القانون حافظ على حظر التملك والعمل. جاء ذلك في الوقت الذي كانت الصين فيه حليفة الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية.

حظر الفوضويين: في الثالث من آذار عام 1903، وقع الرئيس (ثيودور روزفلت)، “مرسوم إقصاء الفوضويين”والذي بموجبه منع الفوضويون وآخرون اعتبروا متطرفين سياسيين من دخول الولايات المتحدة.

وقد جاء ذلك المرسوم بعد قتل الرئيس (ويليام مكينلي) عام 1901 رميا بالرصاص على يد (ليون زلجاش)، “فوضوي”أمريكي كان ابنالمهاجرين بولنديين.

عرف هذا المرسوم أيضا باسم قانون الهجرة لعام 1903، وقد ضم لمجموعة الفوضويين بقانون الهجرة السابق ثلاث فئات أخرى من الناس تمنع من الدخول إلى أميركا: أولئك الذين يعانون من الصرع، والمتسولون، ومستوردو البغاء.ما يميز هذا القانون هو انه كان بمثابة العلامة الأولى في منع الأفراد بسبب معتقداتهم السياسية.

اللاجئون اليهود خلال الحرب العالمية الثانية ـحولت الحرب الملايين من الناس إلى لاجئين، الأمر الذي أثار قلق الرئيس (فرانكلن ديلينو روزفلت)، حيث رأى أن هذه الظاهرة تشكل خطرا على الأمن القومي للبلاد. واستنادا إلى مخاوف من احتمال وجود جواسيس نازيين مختبئين بين المهاجرين، حددت البلاد عدد اليهود الألمان الذين يمكن قبولهم الى 26000 سنويا. وتشير التقديرات إلى أنه في معظم عهد هتلر، قد تم استيعاب أقل من 25٪ من هذه الحصة بالفعل.

ومن أكثر الحالات التي اكتسبت شهرة، كانت إرجاع الولايات المتحدة في شهر حزيران من عام 1939 عابرة المحيطات (سانت لويس)، التي كانت تحمل على متنها 937 راكبا، حيث يعتقد أن أغلبيتهم كانوا من اليهود. اضطرت السفينة للعودة إلى أوروبا، ولاقى حوالي ربع ركابها، بحسب الاعتقاد، حتفهم في المحرقة.

حظر الشيوعيين ـ أقره الكونغرس في الثالث والعشرين من آب عام 1950، رغم أنه نقض من قبل الرئيس هاري ترومان، الرئيس الثالث والثلاثون للولايات الامريكية.

عرف ك”قانون الأمن الداخلي لعام 1950″ـوأيضا باسم “قانون مراقبة الأنشطة التخريبية لعام 1950 أو “قانون (ماكران)”، وجعل من الممكن ترحيلأي مهاجرينيعتقد أنهم أعضاء في الحزب الشيوعي. كما لم يسمح لأعضاء التنظيمات الشيوعية، التي كانت مطلوبة للتسجيل، بأن يصبحوا مواطنين.

عارض ترومان القانون، مشيرا أن ذلك “من شأنه أن يجعل من مشروع قانون الحقوق سخرية.”وفي عام 1993 أدانت المحكمة العليا أجزاء من هذا القانون على أنها غير دستورية، ولكن أجزاء أخرى لا تزال قائمة.

 الإيرانيون ـأقر هذا المرسومالرئيس (جيمي كارتر) في السابع من نيسان عام1980. فبعد أزمة الرهائن الإيرانية عام 1979 والتي تم خلالها اقتحام السفارة الأمريكية في طهران واحتجاز إثنين وخمسين أمريكيا رهائن لمدةأربع مئة وأربع وأربعين يوما، قطع الرئيس (كارتر) العلاقات الدبلوماسية مع إيران وفرض عقوبات عليها. كما وتم حظر الإيرانيين من الدخول إلى الأراضي الأمريكية.

حظر الأشخاص المصابون بمرض المناعة المكتسبة (الإيدز)ـ صدرهذا المرسوم في عهد الرئيس (رونالد ريغان)، حيث قامت دائرة الصحة العامة في الولايات المتحدة بإضافة مرض الإيدز إلى قائمة الأمراض “الخطيرة والمعدية”. وقام السيناتور (جيسي هيلمز) بإضافة الإيدز إلى قائمة الإقصاء من خلال “تعديل هيلمز″.

في عام 1987 قامت الولايات المتحدة بمنع وصول مرضى الإيدز إلى أراضيها. تأثرت القوانين بمشاعر الخوف من المثليين وكراهية الأجانب تجاه الأفارقة والأقليات في ذلك الوقت، وكذلك بالاعتقاد الخاطئ بأن فيروس الإيدز يمكن أن ينتقل عبرالاتصال الجسدي أو الجهاز  التنفسي.

وفي عام 2009 قام الرئيس السابق (باراك أوباما) برفع هذا الحظر، مستكملا عملية بدأها الرئيس (جورج بوش).

حظر العراقيين: في عام 2011 قام الرئيس (أوباما) بمنع دخول اللاجئين العراقيين إلى أميركا لمدة ستة أشهر، وذلك بعد الكشف عن وجود إرهابيين ينتمون إلى تنظيم القاعدة يعيشون كلاجئين في ولاية (كنتاكي). وانتقدت صحف محافظة، من بينها (الفيديرالست) بأنه لم تكن هناك احتجاجات على قرار الرئيس (أوباما) بخصوص هذا المرسوم.

ويذكر أنه في عام 2011 تم توطين أقل من عشرة ألاف لاجئ عراقي في الولايات المتحدة، نصف العدد من العام السابق، كما تشير إحصائيات وزارة الخارجية الأمريكية.

من هنا يمكن القول أن مرسوم الرئيس (ترامب) ليس استثنائيا، بما معناه أنه واحد من مجموعة الأوامر التنفيذية التي أصدرها الرؤساء الأمريكيون بشكل متعاقب والتي حظيت بمواقفة الكونغرس لأنها تقع ضمن صلاحياتهم الدستورية والقانونية. ويبقى السؤال إذا، لماذا هذه الهجمة الإعلامية الواسعة ضد الرئيس (ترامب)، رغم أنه سار على نفس النهج الذي اتبعه سابقوه وإن اختلف الظرف والزمن، إن لم تكن دوافعها تعود لشخصية (ترامب) نفسه؟

للإجابة على هذا السؤال، هناك حاجة لفهم أوسع للخلافات حول مسألة مفهوم الأخلاقيات بين الحزب الديمقراطي والجمهوري المحافظ، وأهمية السياسات وراء إبراز البعض منها وتهميش البعض الآخر بما يتفق مع المصلحة الحزبية والتأثير على الرأي العام الأمريكي.