لو آمنا أن قبيلتي (يأجوج و مأجوج) قبائل فضائية، وأن ربعهم أولاد عمنا في السماء، وقريبا يصلون الأرحام الكونية، مع تصاعد احتمالات عودتهم إلى الأرض، فهذا يعني أن ظاهرة الغزو الفضائي، التي حذر منها العالم البريطاني (ستيفن هوكينغ ) وكالة ناسا – ونصحها بعدم إظهار وجودنا للغزاة الفضائيين – ليست ظاهرة علمية بحته ولا اكتشافا حديثا، إنما نبوءة وردت في الأديان السماوية الثلاثة، قبل أن تتوصل إليها فرق البحث التي أرسلت لهؤلاء ملايين من الرسائل الصوتية بكل لغات الأرض، وصورا واسطوانات موسيقية لعظماء الفنانين، دون أن تتلقى ردا يلبي نهم أحد علماء الوكالة الملقب بِـ: مستر أين هم؟ لفرط إلحاحه وسعيه الحثيث للعثورعليهم!
منذ فترة أعلنت «ناسا» قلقها من تلاشي المجال المغناطيسي تدريجيا، وعبرت عن حيرتها أمام هذه الظاهرة الغريبة، التي تفسرها بعض القنوات الالكترونية على «اليوتيوب» بظاهرة فتح المعابر لاختراق النسيج الزمكاني في النطاق الفضائي، وهو ذاته سد ذو القرنين، الذي احتجز وراءه أعدادا مهولة من هذه القبائل، التي لا يمكن أن تستوعبها أو تلبي احتياجاتها طوال كل تلك القرون، مساحة أرضية أو بشرية محدودة، فهل تصدق «اليوتيوب»؟
«الجزيرة».. نصف اللغز ونصف الحقيقة
أيها المشاهد، إياك أن تخاف، وإياك أن تطمئن، فتوافر المعلومات بشكل مجاني على شبكة الانترنت رفاهية خطيرة، تصيب من ينجرف وراءها بالشتات ثم النحس، وما أكثر المناحيس الذين لا يهمهم سوى قص ولصق المعلومات عشوائيا لحشد المتتبعين، أو تنظيميا لصهر الوعي، فلكل خرابة الكترونية عفريتها، وما عليك سوى اللجوء الإعلامي لـ»الجزيرة الوثائقية»، فعندها نصف اللغز ونصف الحقيقة، دون إخلال بقدسية الإعجاز العلمي في القرآن، ولا تحقير للقدرات العقلية للإنسان، التي لم يستغل منها سوى عشرة بالمئة فقط!
تعرض «الجزيرة الوثائقية» تسجيلا صوتيا لأول اتصال فضائي تلقته «ناسا» على هيئة طرقات متوالية تأخذ بالتسارع، يليها صوت أمواج راديواتية، لتطرح سؤالا كونيا: هل هذه أصواتهم؟ هل هم حقيقة أم وهم؟ فإن عدت إلى لقاء أحمد منصور في برنامجه «بلا حدود» مع الدكتور زغلول النجار عن إعجاز القرآن العلمي، تجد تفسيرا لهذا في سورة الطارق، حيث عرض البرنامج التسجيلات نفسها مع تبيان طبيعة النجم الثاقب الذي يصدر نبضات أو طرقات لا علاقة لها بسواه، حتى ليبدو الأمر في فضاء الجزيرة كالتالي: الوثائقية تسأل، والفضائية تجيب.
قضية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، التي تناولها منصور عبر سلسلة حلقات مع الدكتور النجار تكاد تكون وحدها أعظم وثيقة إعلامية تضم بين طياتها إجابات عن الأسئلة الكونية الغامضة، التي يقف أمامها علماء الفضاء عاجزين، ومنكرين، فإن قارنا بين العلم والإعلام، وبين البحث عن الحقيقة والعثور عليها، لا بد أن نتحيز لـ «الجزيرة»… لأن نصف الحقيقة لديها، يكفي للوصول إلى نصفها المفقود عند غيرها: اللاحقيقة!
من طقطق لميسي
أخيرا كان ميسي في مصر، للترويج لحملته ضد التهاب «الكبد الوبائي»، التي أنست الإعلام واقعة الحذاء على «أم بي سي»، وما تبعها من حمحمة الثارات والتحليفات، وقد تُوج ميسي فرعونا مستوردا على عرش الأهرامات، وعقبال زعيم شلة الأنس في الزمالك!
لن أقلل من أهمية هذا الحدث إعلاميا وإنسانيا، ولكن حرصا على أمانة التقييم ودرءا لأية سقطات مشابهة في المستقبل، لا بد من الاعتراف بالإحباط بعد متابعة مراسم التتويج المبهدلة كحال «أعرج يسحب مكسح يقولو تعال نتفسح»، أو مثل «سكران يضرب في ميت، لا الأول داري ولا التاني حاسس فيه»! فالتوسل المتكرر للحضور بإنهاء الفوضى والضوضاء دن جدوى، والتخبط ثم الارتباك في الأداء أهدر البذل في الإعداد، أما القلق الذي أثقل الحدث من احتمال هجمات إرهابية، فلم يعكر الفرحة فقط بل أخل باحترافية عمرو أديب الذي لم يستطع إخفاء ابتهاجه برواح المعازيم وانتهاء العرس من طق طق لباب الطيارة، بلا طاخ طيخ!
ورغم أن الإعلام – على غير عادته – لم ينس الاحتفاء بالحملة وإنجازاتها رغم انشغاله بميسي، إلا أن غصة المشاهد تكمن باختلاط السوء عليه، فمن أشد بلاء: نحن أم إعلامنا؟ وهل يفرض عليك قدرك كمشاهد تلفزيوني في هذه المناسبات، أن تستسلم لخيارين لا ثالث لهما إلا الشيطان سترا للفضيحة: فإما أن ينقل الإعلام الحدث بلا صوت ولا صورة، وإما أن يمنع تنظيم الحدث من أصله، صونا لشرف العار!
المجد لدولة الدراما
اعتاد الغرب أن يطلق على ليالي ألف ليلة وليلة «الليالي العربية»، فمنذ أن خرجت إلى النور بنسختها الإنكليزية الأولى عام 1706، حتى أصبحت شخصية شهرزاد رمزا أيقونيا للمرأة العربية، ببعديها الاجتماعي والإبداعي، غير أن تقهقر حال العرب مع الزمن، شوه هذا الإرث، وجعله أقرب إلى ثقافات وأمم مجاورة كالإيرانيين والأتراك والهنود، الذين تغزو أعمالهم الدرامية والسينمائية الأسواق والفضائيات العالمية، عداك عن قنوات الكترونية متخصصة بترجمتها، وعرضها مجانا، قبل أن تشتري حقوق دبلجتها وبثها دول وقارات حول العالم.
يولي الإعلام الأمريكي والأوروبي اهتمامه الأكبر بالسينما الشرقية الهندية وأبطالها وبطلاتها، دون أن يوزع عدله على أبطال الدراما التركية الذين جابت شهرتهم الآفاق، متعمدا غض البصر عن هذا الاختراق الفني الهائل الذي نجحت دولة الدراما التركية بتكريسه في كثير من الفضائيات الأوروبية، عبر الترجمة أو دبلجة ملاحم درامية تاريخية واجتماعية، لاقت ترحيبا يفوق التوقع من جماهير ملت من التخمة الأمريكية المستهلكة، وتبحث عما يتجاوز الإبهار، فيعوض النقص العاطفي الذي أثقلته ثقافة الجسد، ويستدرك التعتيم الهوليوودي على مرحلة العصور الوسطى التي بلغ المجد الإسلامي والعثماني بها أوجه.. كأنه يتصدى للغزو الدرامي الجديد!
انحطاط الدبلجة: عيب أم جريمة؟
الأرقام والإحصاءات تثبت اكتساح الدراما التركية، التي تحصد ملايين من المتفرجين، وصلت في الباكستان وحدها لأكثر من تسعين مليون مشاهد، عداك عن ترجمتها لأكثر من عشرين لغة حول العالم، مع الأخذ بعين الاعتبار إعادة بثها لأكثر من مرة، وهو سبق درامي ومجد إبداعي يتماشى مع العصر بل يتخطاه!
ولكن على المشاهد العربي الاختيار بين متابعة هذه الدراما مترجمة أو مدبلجة، ليس فقط لضمان صدق الأداء، والانخراط عاطفيا وذهنيا في الحالة الفنية، إنما لأن الدبلجة العربية تحقر من قيمة النص بلغته الأم، وتنحدر بذائقة المشاهد العربي، بل تشوه وعيه وهي تنحاز لتسطيح اللغة و تحذف الكثير من الصيغ الإبداعية المكينة لتستبدلها بصيغ ركيكة بلهاء، وأداء أحمق جامد و مصطنع و فارغ، فتصفيها من مخزونها المعرفي الذي يراوح بين الشعر والأدب والفلسفة والرياضيات التاريخ وكل ما يخطر ببالك من علوم وفنون وتعبيرات، يزخر بها النص الأصلي حتى لتدهشك هذه الثقافة النابضة، وولع أصحابها ليس فقط بابتكار قصة مشوقة تجاريا، إنما بدعمها بترسانة حوارية وحبكات لغوية مبهرة تخض وعي المتلقي وتفتن روحه وتغذي فكره وترتقي بذائقته.
أيها المسكين، إنهم يخدعونك، إذ يربون عقلك على الكسل، ويشبعون عواطفك بإثارات رخيصة على طريقة «شم ولا تذوق» تذرعا بالحشمة والعفة التي يهينونها أيما إهانة وهم يختطفون لغة الشعوب ليجردوها من قيمها الحسية والتعبيرية.. فيروجوا لنمط لغوي بليد، لا يستثمر بالوعي والوجدان، ويخلو من الطاقة الروحية او الخطط العقلية التي تعكس الجبن الثقافي والاستكانة للخمول الإبداعي في الدراما العربية المريضة، إلى الحد الذي تعجز به ليس فقط عن إنجاز درامي عظيم، بل حتى أقل من عادي ولكن بطرق غير اعتيادية، ولو كرمى لجدتها شهرزاد!
يا أيها الحضيض، لم نعد نعلم إن كنت أدمنتنا أم أدمناك، ولكننا تعودنا على الإبداع والسيوف فوق رقابنا أو تحت الحزام، أما وقد دخل الغزاة إلى مخادعنا، فلم يبق علينا سوى الاعتذار للديك، الذي اضطر لتناول قرص منوم، كي لا يتابع المشهد الأخير من الحكاية: انتحار المشاهد بعد العثور على شهرزاد في ملهى إعلامي!
كاتبة فلسطينية تقيم في لندن