أثار ملف ترشح الوزراء في الانتخابات التشريعية الجزائرية المقررة مطلع مايو/ أيار المقبل، جدلًا في الساحة السياسية، بحكم أن الأمر أضحى تقليدًا سياسيًا خلال السنوات الأخيرة، في وقت يسود الغموض مسألة دخولهم السباق باسم الحزب الحاكم هذه المرة.
وحددت الجزائر الرابع من مايو/ آيار موعدًا لإجراء سادس انتخابات نيابية تعددية في البلاد منذ إقرار دستور الانفتاح السياسي العام 1989.
وأعلن جمال ولد عباس، الأمين العام لحزب “جبهة العرب نيوز الوطني” (الحاكم) الأحد الماضي، أن قيادة الحزب لم تستلم أي ملف ترشح يخص الوزراء الحاليين في الحكومة.
وأضاف أن “قرار الترشح يعود إليهم دون تدخل من قيادة الحزب”، رغم أن الأخير أعرب إغلاق باب استقبال ملفات الترشح منذ الأول من فبراير/شباط الجاري. غير أن مصدرًا من الحزب الحاكم أنبا إن هناك استثناء بالنسبة لملفات الوزراء ويمكن تقديمها بعد هذا التاريخ.
وحسب ولد عباس فإن قضية ترشح الوزراء بيد رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، رئيس الحزب.
من جهته أكد أحمد أويحي، رئيس ديوان رئيس الجمهورية والأمين العام لحزب “التجمع الوطني الديمقراطي” شريك الحزب الحاكم في الحكومة، أن باب الترشح مفتوح أمام وزراء الحزب.
وينتمي 14 وزيرًا في الحكومة الحالية إلى الحزب الحاكم إلى جانب رئيس الوزراء عبد المالك سلال، فيما ينتمي 5 آخرون (4 بعد وفاة وزير التجارة بختي بلعايب منذ أيام) إلى التجمع الوطني الديمقراطي.
وصرح سلال الشهر الماضي، لوسائل الإعلام بأن الوزراء أحرار في الترشح من عدمه في وقت تشير معلومات غير مؤكدة إلى أن الأول سيتصدر قائمة الحزب الحاكم بالعاصمة الجزائر وهي كبرى الدوائر الانتخابية في البلاد.
ولا يوجد في قانون الانتخابات ما يمنع الوزراء من الترشح للسباق شريطة عدم استغلال المنصب ووسائل الدولة.
وجرى التقليد بالنسبة لحزبي “جبهة العرب نيوز الوطني” و”التجمع الوطني الديمقراطي” منذ تسعينات القرن الماضي أن يترشح الوزراء في الانتخابات النيابية على رأس قوائم الحزبين في المحافظات التي ينحدرون منها، ولم يسبق أن خسر وزير هذا السباق.
وعادة يعلن الوزراء المترشحون تعليق مهامهم الرسمية خلال فترة الانتخابات ويكلَف وكلاء الوزارات (الأمناء العامون) بتسييرها مؤقتًا.
وفي كل هذه الانتخابات كانت تتصاعد أصوات من أحزاب معارضة تشتكي “استغلال الوزراء لمناصبهم ووسائل الدولة من أجل الفوز”.
وفي مؤتمر صحافي عقده، الثلاثاء، أنبا عبد الوهاب دربال رئيس اللجنة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات (الأولى من نوعها في البلاد)، إنه “لا يوجد أي مانع قانوني يحول دون ترشح مسؤول في الدولة للانتخابات، والقانون لا يمنع أي وزير من الترشح للبرلمان”.
وحذر دربال من استغلال وسائل الدولة لأنه ممنوع قانونًا، وأن المسؤول المترشح لا يعني أنه فوق القانون، وعليه أن يعتمد على الإمكانيات المادية الخاصة به، دون المساس بالوسائل العمومية التي تسخر له في إطار وظيفته.
ويرى الصحافي محمد مسلم، المتخصص في الشأن السياسي، أن ما يحدث حاليًا بالنسبة لوزراء حزب “جبهة العرب نيوز الوطني” الحاكم، هو أنهم لم يتلقوا الضوء الأخضر من رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة للترشح من عدمه بشكل جعلهم في حيرة من أمرهم.
وتابع أن أغلب الوزراء إن لم يكونوا كلهم تحذوهم الرغبة في الترشح لضمان منصب نيابي بعد الانتخابات والتي سيعقبها حتمًا تغيير حكومي يطيح ببعضهم أو نسبة كبيرة منهم.
وبشأن الغموض الذي يكتنف هذا الملف، يشير إلى أن “ما وقع، هو أن الأمين العام للحزب الحاكم جمال ولد عباس ولإبعاد الضغط عليه بسبب رغبة وزراء في الترشح ومنطقيًا تصدر القوائم في عدة محافظات، قام بإحالة ملفهم على رئاسة الجمهورية التي تلتزم الصمت حتى الآن”.
من جهته، يرى نصير سمارة أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر العاصمة، أنه منذ العام 2002 (أول انتخابات نيابية في عهد الرئيس بوتفليقة) جرى العرف السياسي أن يترشح الوزراء في الانتخابات ويبدو أن هذا التقليد لن يذهب هذه المرة.
وأوضح سمارة،”ما هو متوفر حاليًا أن وزراء من حزب “التجمع الوطني الديمقراطي” أُعطي لهم الضوء الأخضر للترشح، لكن يبقى الغموض بالنسبة للحزب الحاكم وسينتهي الأمر بترشح بعضهم على الأقل.
ووفقًا له، “من الناحية القانونية لا يوجد مانع لترشح الوزراء، ولكن يبدو أن الجميع ينتظر إذنا من رئيس البلاد لأنه رئيس الحزب الحاكم”.
وبحسب سمارة، “تحول ملف ترشح الوزراء إلى قضية سياسية مرده أن دخولهم السباق في كل مرة كان مرادفًا لجدل آخر حول عدم تكافؤ فرص المتسابقين واستغلال المنصب كما تشتكي المعارضة في كل موعد انتخابي”.
وخلص الخبير سمارة إلى القول: بأن الأمر مرتبط بإرادة السلطة الحاكمة، فترشح الوزراء يعطي صورة سيئة عن نزاهة الموعد الانتخابي، وحتى تحذيرات رئيس هيئة الانتخابات من استغلال المنصب ووسائل الدولة يبقى أمرًا نظريًا كون مراقبة هذا السلوك في الواقع صعبة لأن الاستغلال يأخذ عدة أوجه غير مرئية، فالوزير يبقى شخصية رمزية لها تأثيرها على الناخب حتى لو لم يستغل منصبه ماديًا.
المصدر : إرم نيوز