مع استمرار ردود الأفعال المنددة بالقرار المثير للجدل الذي أصدره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي يفرض قيودا صارمة على الهجرة والسفر إلى الولايات المتحدة على مواطني سبع دول إسلامية، بقيت دول الخليج وعلى رأسها السعودية، ودول أخرى ذات غالبية مسلمة خارج القائمة، فكيف تجنبت هذه الدول حظر ترامب؟
بقيت دول الخليج، وفي طليعتها السعودية، ودول أخرى ذات غالبية مسلمة، بمنأى عن مرسوم دونالد ترامب، الذي فرض قيودا صارمة على الهجرة والسفر إلى الولايات المتحدة، ويبرر عدد من الخبراء ذلك بأن هذه الدول حليفة لواشنطن وتتمتع بسلطة مركزية قوية.
وأصدر الرئيس الأمريكي ترامب الجمعة مرسوما يمنع دخول رعايا سبع دول ذات غالبية مسلمة، هي العراق وإيران وليبيا والصومال والسودان وسوريا واليمن لمدة 90 يوما على الأقل، ويحظر دخول جميع اللاجئين أيا كانت أصولهم إلى الولايات المتحدة لمدة أربعة أشهر، ولمدة غير محددة للاجئين السوريين.
وبرر الرئيس الأمريكي مرسومه بالقول: إن الهدف منه "منع دخول الإرهابيين" إلى الولايات المتحدة، علما أنه استثنى، أقله حتى الآن، دولا ذات أغلبية مسلمة، اتهم مواطنون فيها في السابق بالارتباط بهجمات وقعت في الغرب.
بيد أن 15 من أصل 19 شخصا كانوا خلف هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2011 في الولايات المتحدة، كانوا سعوديين، كما هو الحال بالنسبة لأسامة بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة الجهادي المتطرف، والعقل المدبر للهجمات، فيما يحمل المهاجمون الأربعة الآخرون جنسيات لبنان ومصر ودولة الإمارات العربية المتحدة.
كما أن العديد من الجهاديين الذين يقاتلون في صفوف تنظيمي القاعدة وتنظيم "الدولة الإسلامية" يتحدرون من السعودية ومن دول أخرى في الخليج.
وحول الأمر، يقول آدم بارون، الخبير في شؤون اليمن في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن "ترامب، وكما هي الحال لدى الإدارات السابقة، يعتبر دول الخليج حليفة رئيسية بالنسبة إلى حكومة الولايات المتحدة".
ويضيف بارون، "يبدو أن الدول (السبعة) اختيرت بسبب ضعف علاقات حكوماتها مع الولايات المتحدة، أو بسبب الأوضاع الخطيرة" التي تعصف بها.
وتشن السعودية، موطن المذهب الوهابي المتشدد، منذ نحو عقد، حربا على تنظيم القاعدة، الذي تصف أعضاءه "بالفئة الضالة"، وهي عضو في التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" بقيادة الولايات المتحدة، إلى جانب دول خليجية أخرى.
"عدو عدوي صديقي"
ويرى الخبير في معهد الدراسات الدولية والإستراتيجية، أنتوني كوردسمان، أن حظر السفر لا يتعلق بالدول "التي تقيم علاقات وطيدة مع قواتها المكلفة بمكافحة الإرهاب، وحيث توجد بنية متطورة من التعاون الاستخباراتي".
وينطبق هذا الأمر على مصر، أكبر الدول العربية من ناحية عدد السكان، وموطن جماعة الإخوان المسلمين التي تعتبرها القاهرة ودول الخليج "منظمة إرهابية".
وبحسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة فيكتور سلامة، فإن "مصر والسعودية ينظر إليهما على أنهما الحليفان الرئيسيان للولايات المتحدة في المنطقة"، لافتا إلى وجود "تطابق في وجهات النظر" بين ترامب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
ويشير سلامة في هذا الصدد، إلى أن السيسي كان أول زعيم في منطقة الشرق الأوسط هنأ ترامب بعيد انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
من جهته، يقول توفيق أكليماندوس المحاضر في قسم العلوم السياسية في جامعة القاهرة، إن التعاون الاستخباراتي مع القاهرة يفيد أيضا بأن واشنطن ترى في "أجهزة الاستخبارات المصرية حليفا يتكل عليه لمراقبة المواطنين" المصريين.
وبعيد صدور مرسوم الحظر، اتصل ترامب بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان، واتفق معهما على التعاون في "مكافحة الإرهاب"، وفقا للبيت الأبيض.
كما أكد ترامب والعاهل السعودي أنهما يؤيدان "تطبيقا صارما" للاتفاق النووي مع إيران، الخصم اللدود للسعودية في منطقة الشرق الأوسط، علما أن الرئيس الأمريكي سبق وأعلن معارضته لهذا الاتفاق، الذي توصلت إليه إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.
ويقول الأستاذ المتخصص في الشؤون الجيوسياسية في الشرق الأوسط في جامعة تولوز ماثيو غيدار: "عدو عدوي صديقي. وبما أن السعودية عدوة إيران في المنطقة، وإيران عدوة إسرائيل، فإن الولايات المتحدة صديقة للسعودية".
مصالح تجارية
وعلى الرغم من أن العلاقات الإستراتيجية ساهمت في تحديد الدول المشمولة بقرار الحظر، إلا أن القرار ارتكز أيضا على "مؤشرات الدول الفاشلة (...)، غير القادرة على ضمان أمنها وتبادل المعلومات مع الولايات المتحدة حيال مواطنيها".
في موازاة ذلك، فإن المصالح التجارية للرئيس الأمريكي الملياردير أدرجت أيضا كسبب خلف عدم شمول القرار دولا معينة، إذ إنه يمتلك استثمارات وأعمالا في مصر والسعودية وتركيا والإمارات، حسب خريطة نشرتها وكالة "بلومبرغ" الاقتصادية، غير أن الخبراء يقللون من أهمية هذا الأمر.
ويقول كوردسمان إن "الحصول على تعرفة معينة جراء مبيعات خاصة بعلامة تجارية ليس سببا كافيا لتحفيز" ترامب، الذي يملك أيضا مصالح تجارية في إندونيسيا، أكبر دولة مسلمة، والتي تواجه منذ وقت طويل جماعات إسلامية مسلحة شنت على أراضيها هجمات دامية.
ووفقا لتوبياس باسوكي، المحلل السياسي في المعهد الاستراتيجي للدراسات الدولية في جاكرتا، فإن ترامب لا يريد أن يعرض (مصالحه التجارية) للخطر، علما أن "لا أحد يخشى أندونيسيا أيضا، إذ أن أعضاء اليمين المحافظ لا يعرفون حتى أين تقع، ولذا فإن هذا البلد لا يمثل مشكلة بالنسبة إليه".
لكن، بغض النظر عن الدول التي يشملها المرسوم، فإنه سيمثل "مشكلة (...) سواء طبق على دول قوية أو ضعيفة (...)، كونه يمثل خرقا لحقوق الإنسان"، بحسب ما يرى إبراهيم فريحات، أستاذ مادة تسوية النزاعات في معهد الدوحة للدراسات العليا.
فرانس24/أ ف ب