الحركات الإسلامية والواقع الديموقراطي | 28 نوفمبر

 

فيديو

الحركات الإسلامية والواقع الديموقراطي

ثلاثاء, 24/01/2017 - 19:49
نعيمة عبدلاوي

نعيمة عبدلاوي

في أحد البرامج الذي استضاف  المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين وقتها  السيد محمد مهدي عاكف على قناة الجزيرة سنة 2009، رد بهذا الجواب  على طلب الصحفي منه أن يعطيه أمثلة عن مشاريع القوانين التي سيحملها ممثلوا الإخوان إن هم نجحوا في الاستحقاقات الانتخابية التي كانت مقررة في  يونيو وسبتمبر من سنة 2010، “نحن سنكون في البرلمان للدعوة وليس لتقديم مشاريع قوانين !”

في صيف نفس السنة زرت مصر وفي أحاديثي مع مجموعة من المعارف والأصدقاء من توجهات وجنسيات مختلفة هناك، كنت أحاول أن أعاير بنفسي مدى الوعي السياسي والديموقراطي عند بعض الفاعلين السياسيين والدينين على السواء.

علاقتي الفكرية والإنسانية بالدكتور طه جابر العلواني  كما زوجته الدكتورة منى أبو الفضل أيضا (رحمهما الله)، كانت تسمح لي بتقاسم وتشارك كبيرين معهما، لمعرفتي بتجربته الحركية والسياسية الإسلاميتيْن قبل مغادرته العراق، ولِوَقْع كلمات السيد مهدي عاكف على رأيي في الأداء السياسي للفاعلين الإسلاميين، سوف أبدأ محادثة معه في ذلك الشأن ليخبرني بدوره بما هو أكثر غرابة ووقعا، سوف يحدثني عن مسعى حركة حماس الفلسطينية وقتها لإيجاد “فتوى” تبيح الهدنة الطويلة مع الكيان الصهيوني !  لم يكن د.طه جابر العلواني يعتبر نفسه من فقهاء الجهاد.

أذكر كذلك أنه في بدايات سنوات قرننا هذا، على برنامج التلفزيون البلجيكي “Planète en question” شاهدت السيد مصطفى الخلفي من حزب العدالة والتنمية المغربي يوازي بين الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية  في واقعنا العربي الإسلامي والأحزاب الديموقراطية المسيحية في الواقع الأوروبي.

حتى هذه الفترة كنت أعتقد أن فصل الدعوي عن السياسي أصبح تحصيل حاصل في تطورات الحركة الإسلامية المغربية الذي مثله حزب العدالة والتنمية المغربي وأن تجربته تعتبر متقدمة في العالم العربي.

الاختلاف بين السِّجِلين العربي-الإسلامي والغربي، خاصة الأوروبي منه، أن ازدهار الأحزاب الديموقراطية المسيحية أو ذات المرجعية الدينية عموما ، قد تم أساسا في سياقات حضارية وثقافية اجتماعية راكمت قرونا من التجربة والتدافع، سِمتها الكبرى أن المؤسسات الدينية والأديان عموما فيها أخضعت أنفسها أو خضعت لعملية نقد كامل وشامل من الداخل كما الخارج.

ما كان للأحزاب الديموقراطية المسيحية أن ترتقي بوعيها و أدائها و تخلق إجماعا حولها في مجتمعاتها لو لم تعرف المسيحية نفسها نقدا جادا وجديا أصبح معه رجال الدين أنفسهم علماء حقيقيون (في العلوم الدقيقة والفلسفة والعلوم الاجتماعية والعلوم السياسية وغيرها…). رجال دين لائكيين بالمعنى الأول للائكية الذي يخص أبناء وبنات الكنيسة المختلطين بالمجتمع والناس، أي أن دور ومجال رجال الدين اللاهوتيين الخالصين( غير مزدوجي/متعددي التكوينات) قد انحسر في الكنيسة و المجتمع على السواء.

غياب مثل هذا النقد للدين الإسلامي من الداخل ، كما غياب الثقافة والممارسة الديموقراطيتين في مجتمعاتنا كانت من بين أهم عوامل فشل الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية منذ وخلال منعطفات الربيع العربي.

بل وحتى قبلها، فمنذ صعود حركة حماس للسلطة في تشريعيات 2006 تبين أن الإسلام السياسي لا يعتمد النظريات السياسية ولا يستحضرها ليطور ويراكم تقليدا سياسيا ممنهجا ومهيكلا.

نفس الشئ برز بشكل أكبر مع تجربة الإخوان المسلمين الأخيرة في مصر، حيث تورط مجلس الإرشاد في تدخله في شؤون الرئاسة بضمان ولاء الرئيس له الذي كان من المفروض أنه عضو في حزب الحرية والعدالة أي الشق السياسي للجماعة، ليس هذا وحسب، وإنما أيضا اعتبار بعض آليات تطبيق الديموقراطية من انتخابات وتصويت هي الغاية  أكثر من العمل على صنع مناخ ديموقراطي عام.

وحدها حركة النهضة التونسية التي حاولت أن تستفيد من قراءتها للواقع الذي تنتمي إليه، قررت أخيرا أن تفصل بين الدعوي و السياسي وأتمنى أن تذهب فيه بعيدا.

أما حزب العدالة و التنمية المغربي الذي كانت حظوظه أوفر في  بناء نموذج لإسلام ديموقراطي تفضله البيئة المغربية من حيث تقليدها السياسي وتنوعه والقرب الجغرافي من الفضاء الأوروبي، رغم بؤسها في عمومه، لكن موقف الحزب وأمينه العام (خاصة من الديموقراطية التي يمثلها مطلب الملكية البرلمانية في بلادنا مع حراك 20 فبراير) ثم الذي سوف يعززه أداؤه خلال ولايته الحكومية الماضية وتدبيره للتكليف بالتشكيل الحكومي الثاني، كلها عوامل أحبطت الآمال فيه و فندت أسطورة تيارات الإسلام السياسي التي كانت تبشرنا منذ تجربة الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية، بأنها لا تعدم الكفاءات !

أتيحت لهذا التيار الفرصة تلو الفرصة في جغرافيات عربية مختلفة وكانت النتيجة واحدة مع اختلاف طرق الوصول إليها.

أخيرا، قد نظلم تيارات الإسلام السياسي و قيادييها و قيادياتها في صورها الحالية إذا انتظرنا منها ممارسة ديموقراطية (تُنظر، تستبق و تخطط استراتيجيا)، لسبب بسيط هو أنها مهمة تتجاوزها.

المرحلة الآن مرحلة تقييم عام ونقد للتجارب اللحظية وبخاصة للأطر المرجعية للتنظيمات والأشخاص، فالرهان على قدرة مجتمعاتنا تجاوز مآزقها السياسية و الديموقراطية و ليس فقط مجرد العجز عن تشكيل حكومة هنا أو عجز تيار عن الاستمرار في الحكم هناك.

 كاتبة مغربية