هل كانت دمشق فعلا على بعد أسبوعين من السقوط في يد “الإرهابيين”؟ | 28 نوفمبر

 

فيديو

هل كانت دمشق فعلا على بعد أسبوعين من السقوط في يد “الإرهابيين”؟

ثلاثاء, 17/01/2017 - 20:05
عبد الباري عطوان

فاجأ سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي حلفاء  بلاده قبل اعدائها عندما كشف في مؤتمر صحافي بأن دمشق كانت على بعد أسبوعين الى ثلاثة من السقوط في ايدي الإرهابيين، وان التدخل العسكري الروسي الذي جاء بطلب من السلطة الشرعية في دمشق منع هذا الانهيار، واكد ان بلاده ساعدت الجيش السوري في صد الهجوم على العاصمة دمشق.

تفجير هذه المفاجأة، وقبل ستة أيام من انعقاد مؤتمر الآستانة الذي سيدشن مفاوضات غير مسبوقة بين الحكومة السورية والمعارضة المسلحة، بزعامة السيد محمد علوش، زعيم فصيل “جيش الإسلام” المصنف إرهابيا من قبل النظام، لا يمكن ان يكون بمحض الصدفة، ولا نستبعد ان يكون رسالة اريد بها التذكير بأن روسيا هي التي حمت النظام من السقوط، وليس أي جهة أخرى، ربما في إشارة الى ايران.

توقيت هذه الرسالة مهم، لانها تأتي في ظل تزايد الحديث عن وجود خلافات روسية إيرانية، حول جدول اعمال مؤتمر الآستانة، والأطراف التي من المفترض ان تشارك فيه، الى جانب خلافات بين الجانبين حول وقف اطلاق النار الذي يحتل هدف تثبيته قمة اجندات المؤتمر المذكور، وكان لافتا تصريح السيد محمد جواد ظريف وزير الخارجية الايراني الذي ادلى به امس، واكد فيه ان ايران تعارض وجود أمريكا في مفاوضات الآستانة، وقال “لم نوجه لهم الدعوة، ونعارض وجودهم”، ربما في رد على حديث لافروف عن توجيه دعوة لإدارة ترامب للمشاركة في المؤتمر.

مصادر دبلوماسية لبنانية مقربة من ايران كشفت لـ”راي اليوم” بأنها لا تستبعد ان يكون التمثيل الإيراني في مؤتمر الآستانة “متواضعا جدا”، وبصفة “مراقب”، أي ان السيد ظريف قد لا يحضره مطلقا كبادرة احتجاج على بعض “الاملاءات” الروسية التركية، على حد قول تلك المصادر، اللهم الا اذا جرى حل هذه الخلافات في الأيام المقبلة.

***

المعارضة السورية تواجه انقسامات حادة أيضا حول مؤتمر الآستانة، وانعقاده تحت مظلة التنسيق الروسي التركي، فاستبعاد الهيئتين السياسيتين للمعارضة، الهيئة العليا في الرياض، والائتلاف الوطني في اسطنبول، واحلال الفصائل المسلحة مكانها، يؤكد ان هذه الخطوة قد تثبت “الطلاق” بين الجناحين العسكري والسياسي، ولافروف جسد هذا الطلاق في مؤتمره الصحافي المذكور آنفا، عندما قال، “تثبيت وقف اطلاق النار هو العنوان الرئيسي، ولكن هذا الوفد الذي يمثل الفصائل الفاعلة في ميادين القتال هو الذي سيمثل المعارضة أيضا في المفاوضات السياسية المقبلة في جنيف”، فهل هناك ما هو أوضح من هذا الوضوح؟

نجاح موسكو في دق اسفين الخلاف بين المعارضتين المسلحة والسياسية قد يكون ابرز إنجازات مؤتمر الآستانة، حتى قبل ان يبدأ، اما الخطوة التالية، فستكون من خلال اجراء غربلة لهذه المعارضة المسلحة المعتدلة، بحيث يتم الفصل بين الإسلامية منها، وغير الإسلامية، وشطب الأولى، واعتماد الثانية.

لافروف سلط الأضواء على هذه النقطة دون مواربة في مؤتمره الصحافي صباح اليوم عندما قال “اعتقد انه امر مهم للغاية، مهم بالدرجة الأولى، الحفاظ على سورية كدولة علمانية متعددة الاثنيات والطوائف، وفق ما يقتضي به قرار مجلس الامن الدولي”، وأضاف “يجب ان ندرك ان وقف هذه الحرب، وضمان حقوق، ليس المسيحيين فقط، بل والمسلمين وممثلي الطوائف الأخرى الذين يعيشون منذ القدم في سورية وفي دول المنطقة الأخرى، وهذا هدف يمكن تحقيقه عبر استخدام القوة لانه يجب محاربة الإرهاب والقضاء عليه بلا رحمة او هوادة، وهذا ما نتولاه بمساعدتنا للجيش السوري”.

مؤتمر الآستانة ربما يكون الأكثر أهمية من كل المؤتمرات المماثلة التي سبقته في جنيف وفيينا ونيويورك، ليس لانه يأتي تجسيدا لامتلاك روسيا كل أوراق القوة في الملف السوري، وهي التي تحدد الاجندات وتختار المفاوضين، وانما أيضا لانه سيحدد مستقبل سورية وهوية حكومتها.

***

يكفي ان نتابع المواجهة بين اكثر الصقور تطرفا وشراسة التي ستجلس على مائدة المفاوضات وجها لوجه، ونحن نتحدث هنا عن السيد بشار الجعفري، رئيس الوفد السوري، وخصمه اللدود السيد محمد علوش، رئيس الوفد المعارض، اللذين طالما تبادلا الاتهامات الخارجة عن كل النصوص الدبلوماسية، فالاول احد دهاة النظام السوري، ويملك خبرة عميقة في المفاوضات والمواجهات ومقارعة الخصوم، والثاني يملك خبرة ميدانية عسكرية، وجرأة في المواقف بدرجة الغضب، والانسحاب اذا اضطر الى ذلك، ولا ننسى انه كان كبير المفاوضين في وفد المعارضة في مؤتمر جنيف الأخير، ولكن اقامته لم تطل وانسحب.

بقيت نقطة أخيرة على درجة كبيرة من الأهمية، لا يجب القفز عنها، في محاولة قراءة ما بين سطور تصريحات الوزير الافروف، وهي ان روسيا انتصرت لحلفائها السوريين، ولم تتردد لحظة في ارسال طائراتها واساطيلها لمنع سقوط العاصمة دمشق في ايدي المعارضة المسلحة عندما كانت على بعد بضعة كيلومترات من بواباتها، بينما لم يفعل حلفاء هذه المعارضة وداعميها الشيء نفسه، او اقل منه، لمنع سقوط مدينة حلب، وهنا يكمن الفارق الأساسي الذي يشكل ابرز عوامل الحسم الذي نرى مقدماته في الازمة السورية، انطلاقا من مؤتمر الآستانة.

في الماضي كان جلوس المعارضة على مائدة المفاوضات مع الحكومة السورية من الأمور المحركة للجانبين، ثم انتقلت الخطوط الحمر للجماعات المسلحة التي جرى تصنيفها إرهابية، الآن سقطت هذه الخطوط، وبات الذين يرفعون السلاح لاسقاط النظام يتفاوضون معه على وقف اطلاق النار، وبعد ذلك الحل السياسي، وتحت راية “الاحتلال الروسي” الملحد.

سبحان مغير الأحوال.. لم يسقط النظام بل سقطت جميع المحرمات لدى جميع الأطراف.