بالتزامن مع عيد المولد النبوي الشريف من كل عام، تجتاح العالم الإسلامي موجة من التحامل على كل من اعتبر اليوم عيدا وهم بتخليده، ويظهر من تحت الركام "فقهاء" لم ينكروا منكرا قط لكن ضميرهم الذي يعيش سباتا منذ زمن بعيد يصحو كل عام لينكر الاحتفال بالمولد ويرى فيه بدعة لا يجب السكوت عليها والساكت عنها شيطان أخرس، ثم يواصل نومه في انتظار العام القادم. اليوم وبعد أن كثر اللغط في هذه المسألة أقول للذين تتعالى أصواتهم المبحوحة كل عام بالتزامن مع عيد المولد النبوي الشريف في محاولة يائسة لدرعنا عن تعظيم هذا اليوم وتخليده، لن يكون لكم ما أردتم مهما علا صياح بعضكم وركن البعض الآخر إلى أدلة أوهن من بيت العنكبوت لتبرير آرائهم.
ولهؤلاء نقول أيضا تابعناكم سابقا وأنتم تلقون الخطب والمحاضرات ترصعونها حول عدم فضلية أفضل خلق الله، وتنعتونه بما لو نعته به ملحد معروف الإلحاد لأنكرنا عليه ذلك ومن ذلك قولكم: "إن النبي مثاله كطفل من أطفالكم بعثتموه لإحضار خبز وعند إحضاره تنتهي مهمته" في إشارة إلى أن تعظيم النبي لا يجوز فهو رسول أدى رسالته وانتهت مهمته، ومنه قول بعضكم إن ثيابه المتسخة أفضل من ثياب النبي صلى الله عليه وسلم في محاولة لمنع الناس من التبرك، ثم عدتم بعد ذلك وانحنيتم للتبرك بنعل أسيادكم ومشايخكم. ولهؤلاء أقول أخيرا إن آراءكم ومحاولة طمسكم لنور النبوة المضيء في أنحاء العالم هو ما أوصل الأمة إلى ما هي عليه من تطاول على مقدساتها وسب نبينا صلى الله عليه وسلم على مرأى ومسمع من العالمين، أنتم من أوصلتم الإلحاد إلى بيئتنا، أوهمتم ضعفاء العقول أن النبي صلى الله عليه وسلم شخص عادي مثله مثل غيره، فكانت ردة فعلهم وصفه صلى الله عليه وسلم بأشنع الأوصاف، "يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" كيف لمن هذه أقواله وهذا فهمه أن يعي المراد من الاحتفال بالمولد النبوي الشريف والمقصود منه؟ إننا حين نتحدث عن العيد نعني زمان حصول حادثة من نعم الله تعالى، ونعني بالاحتفال به مقابلتها بالشكر اللائق بها، لذلك نحتفل بعيد الأضحى الذي نجى الله فيه نبيه من الذبح وفداه بذبح عظيم، ونحتفل بعيد المولد الذي ولد فيه الهادي الأمين ومنقذ البشرية مخرج الناس من الباطل إلى النور..... ويعضد احتفالنا هذا أقوال جمهور أهل العلم ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر قول العلامة محمد سعيد بن بدي العلوي في نص فتواه حول حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف" إذا كنا نعني بالعيد زمان حصول حادثة من نعم الله تعالى، ونعني بالاحتفال به مقابلتها بالشكر اللائق بها، فلا ريب أن مولده صلى الله عليه وسلم أعظم عيد للمسلمين؛ إذ ما حدث فيه هو أعظم نعمة من الله تعالى على عبيده، والشكر يكون على قدر النعمة" إذا تجاوزنا هذا وأمعنا النظر جيدا نرى أننا نحتفل بيوم هجرته صلى الله عليه وسلم ونخلده كل عام باعتباره ميلاد دولة الإسلام، فبأي منطق نخلد يوم هجرته صلى الله عليه وسلم ونغض الطرف عن ميلاد صاحب الهجرة و رائد الدولة وسيد العالمين صلى الله عليه وسلم، فإن كان الأول بداية ميلاد دولة الإسلام ففي الأخير ولد سيد هذه الدولة أكرم خلق الله "عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِالبُرَاقِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مُلْجَمًا مُسْرَجًا، فَاسْتَصْعَبَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَبِمُحَمَّدٍ تَفْعَلُ هَذَا؟ فَمَا رَكِبَكَ أَحَدٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْهُ "، قَالَ: «فَارْفَضَّ عَرَقًا»، هذا في ما يخص المنطق والمعقول إذ لا يمكن أن نعظم الشيء ونتجاهل السبب في تعظيمه. خلاصة القول أننا سنحتفل بعيد مولده صلى الله عليه وسلم، راجين بذلك شفاعته يوم لا ينفع مال ولا بنون، سنحتفل انتصارا للرحمة المهداة في وجه موجة السب والاستهزاء التي يعرفها العالم اليوم، ونحن لدينا يقين راسخ أن الله سبحانه وتعالى كفاه المستهزئين " إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ"
الشيخان ولد سيدي [email protected]