عن حُكم الردة | 28 نوفمبر

 

فيديو

عن حُكم الردة

سبت, 12/11/2016 - 09:40
عباس ابرهام

في تُراث الإسلام أو تاريخ الإسلام يوجد قتل المهرطِقين. نعم. يجب أن نعترِف بهذا. ولكن يوجَدُ أيضاً التسامح معهم. وكدارس لتاريخ الإسلام اُجزِمُ أن الأخيرة كانت الأذيع والأكثر اعتيادية. آلاف الفلاسفة والمؤرِّخين والشعراء والمتكلِّمين والخلفاء والأمراء والسكارى والأعراب وحتّى الفقهاء قالوا وفعلوا ما لا تقبلُه الأرثودوكسية. وتعجُّ الثقافة الشعبية في كلّ العالم الإسلامي بالمقولات الإلحادية واللاقداسية. لا توجدُ ثقافة إسلامية تخلو من عدم الغمز في القداسي. ومع ذلك عاش هؤلاء ورؤوسُهم على رقابِهم. يُقالُ إن الموريتانيين من أكثر الشعوب تديُّناً؛ ولكن التراث الحساني مليئ بالمقولات الإلحادية. ولهذه المقولات إسم تصنيفي: اجهَلْ لَعرَب. ولكنّنا نعرِف أن استخفاف الزوايا أنكى.

إن إرث الإسلام التاريخي والشعبي يُقدِّمُ أنماطاً مختلِفة من االسخرية من القداسي. بعضُ هذه السخرية تمّ عن غير قصد. مثلاً ابن الجوزي وابن عساكر وابن اسحق قدّموا أشياء اعتقَدوا أنها إطنابية في حقِّ الرسول (ص). بمنظورِنا المعاصر هي ليست كذلك. بل هي مُعيبة. ليس المقامُ مقام استحضارِها. بعضُهم قدّمها في مقامٍ واعٍ. لم يُذبَح. حتّى في أعمال ابن تيمية توجد مقولات تُوصَفُ بالإلحادية. وساعتها لم يكن ممكِناً وصمُ الحضارة الإسلامية بالتدنُّس بالتغرُّب.

الحكم بن أبي العاص كان يسيرُ خلفَ الرسول الأعظم ويُقلِّدَ مشيتَه بطريقة ساخِرة منه. لم يُذبَحْ. بل وقدّم أسرة حكمت الإسلام طويلاً. يُقالُ إنه طُرِدَ لمّا بالغ (الرواة لا يتفِقون على هذا). ولكن عثمان بن عفّان أعاده. الطهريون اليوم، حتّى المتنكِّرون منهم لا ينتقِدون عثمان.

الإسلام يُتيحُ عدّة خيارات. منها الاضطهاد. ولكن منها، ولعلّ أهمَها، التسامح. طهريو اليوم يعتقِدون أن من يقول إنه ليس للإسلام حاجة برأسِ مهرطِق هو كافِر. ولكن كون هؤلاء الطهريين متنكِّرين لا يوحي بأن رأيهُم مكشوف ومقبولٌ في المجتمع المكشوف. يكادُ يكون سرياً. أو غوغائياً. ربما هم أقلية؟ أقليّة متنكِّرة. ومتذمِّرَة. يمكن الدفاع عن حقِّ المهرطِق في الحياة من منظور إسلامي. ربما الدِّفاع خطأ من منظور نصاني طُهري؛ ولكن لا يُمكِن النكران أنه جزءٌ من الموقف الحضاري الإسلامي: لغته، آلية حجاجه، أساليب احتاججه، أوجُه اعتراضاته، أدلتُه، أغراضه.

دعوه يعش، يا دواعش. ليس للإسلام من حاجة برأسِه. وليس في الإسلام ما يتوقّف على جزِّ رأسِه. الإسلام، كما أفهمُه، ليس ممارسات انتقامية هوليغانزية. وإنما هو نمط هداية. بهذا المعنى هو يهتمُّ بالتوبة وبالمجتمعية وبالوئام أكثر من اهتمامِه بتقطيع الأوصال وجزِّ الرؤوس وردم المخالِف.

ولله الأمرُ من قبلُ ومن بعد!

---------------

من صفحة الأستاذ عباس ابرهام على الفيس بوك