يقوم رجال الشرطة الفرنسية منذ عدة أسابيع بتنظيم فعاليات احتجاجية حاشدة، مطالبين بتحسين ظروف العمل. ووفقا للقوانين الفرنسية لا يحق لحماة النظام والقانون تنظيم الإضرابات. ولذلك يعبر هؤلاء عن سخطهم، بطرق أخرى، منها عبور شارع الشانزليزيه ليلا بسيارات الشرطة والدراجات النارية مع إطلاق إشارات التنبيه الصوتية والضوئية على هذه السيارات، وكذلك أداء، وبشكل جماعي، نشيد "لامارسييز" الوطني عند كاتدرائية نوتردام دي باريس.
تجدر الإشارة إلى أن التوتر في مؤسسات الشرطة الفرنسية أخذ يزداد ويقوى منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وبعد هجمات باريس تم إعلان حالة الطوارئ في البلاد.
وخلال تلك الفترة، كان هناك تهديد مستمر بوقوع هجمات، وكانت المظاهرات ضد التغييرات على قانون العمل تعم البلاد وخلالها تعرض رجال الشرطة للاعتداءات الجسدية (جرى رميهم بالحجارة وقنابل المولوتوف) والمعنوية ( الشتائم والإهانات) وفي هذه الظروف اضطر رجال الشرطة لتوفير الأمن خلال بطولة أوروبا بكرة القدم، بالإضافة إلى تنفيذ هجوم نيس الدامي، كل ذلك أنهك عناصر الشرطة والدرك.
وكانت القشة الأخيرة التي قصمت ظهر البعير والسبب المباشر للاحتجاج الحالي، وقوع هجوم على رجال الشرطة بالحجارة والقنابل الحارقة نجم عنه إصابة اثنين من عناصرها بحروق شديدة.
أثار كل ذلك حنق رجال الشرطة، وخرج إلى شوارع أكبر المدن، باريس وليون وبوردو ومرسيليا ورين وستراسبورغ، يوميا حوالي ألفين من رجال الشرطة للاحتجاج.
ويمكن تقسيم مطالب المتظاهرين إلى قسمين، الأول متعلق بتحسين ظروف العمل. حيث يدفع باتجاه هذه الصيغة البسيطة جبل من المشاكل، بينها ضرورة إصلاح مراكز الشرطة وتحسين تجهيز رجال الشرطة وأماكن عملهم.
أما القسم الثاني، فيتعلق بمطالبة الشرطة بتوسيع الحق في الدفاع عن النفس عند التعرض لأي اعتداء وتصر على فرض العقوبات الجنائية بحق القاصرين المخالفين للقانون (تحت 14 عاما) الذين يمكنهم حاليا الإفلات من العقاب عند الاعتداء على رجال الشرطة.
من جانبه، طرح وزير الداخلية الفرنسي، برنار كازنييف، خطة عمل يعفى رجال الشرطة بموجبها من الوظائف والمهام الثانوية مثل القبض على السكارى في الشوارع، ومن مهمة حراسة المؤسسات المختلفة، حيث يمكن أن تقوم بالمهمة مؤسسات الحراسة الخاصة. ووعد الوزير بتخصيص مئات ملايين يورو لإصلاح وتجهيز مقرات الشرطة.
ويؤيد الفرنسيون الشرطة بأغلبية ساحقة. ودلت استطلاعات للرأي العام على أن 88% من المواطنين يتعاطفون معهم.
ويعتبر هذا الدعم الكبير بمثابة العامل الهام جدا في الوقت الراهن، حيث تشهد فرنسا بدء الحملة الانتخابية الرئاسية، حيث أعلن المرشح آلان جوبيه عن تأييده لرجال الشرطة وهو الذي شغل في فترات سابقة مناصب وزير الدفاع السابق والخارجية، ورئيس الحكومة، ويعد أحد الذين يحتمل ترشيحهم من قبل اليمينيين لخوض الانتخابات الرئاسية.
ولكن إحدى الصحفيات، وتدعى آنا كابانا، نشرت قبل فترة كتاب "الفنتازيا تحمل كنية جوبيه"، وذكرت فيه ذكرت أن الرئيس الفرنسي حينذاك نيكولا ساركوزي عرض في العام 2010، على جوبيه شغل منصب وزير الداخلية فرد الأخير بالقول:" أنا لا أريد أن أكون وزير الداخلية، لأني لا أحب رجال الشرطة. أنا لا أريد أن أكون وزيرا للعدل، لأني أكره القضاة". في هذا السياق يمكن للعبارة المذكورة التي نطق بها جوبيه قبل سنوات عديدة أن تكلفه الكثير حاليا.
ويقول الخبراء الفرنسيون أن الحكومة ستقبل بأي خطوات، وستعطي أية وعود في سبيل تهدئة رجال الشرطة في هذه الفترة، لأن الذي يسيطر على الشرطة، سيسيطر على السلطة.
المصدر: لينتا رو