فتوى جديدة صادرة عن المجلس الأعلى للفتوى والمظالم
يقول أصحابه: جئنا إلى الولايات المتحدة الأمريكية وقد كانت الأعمال شبه الشرعية بل الشرعية متوفرة فيها لدى التجار العرب، فكثر عليهم الوافدون الموريتانيون الباحثون عن العمل، فسادت البطالة بسبب ذلك في الوقت الذي يتحمل فيه الشخص إيجار السكن، والمعاش دون وجود أي مساعدة من أحد، بل إن منهم من لا يجد مسكنا فيضطر لبعض المطاعم التي فيها موائد الخنزير، و لابد للشخص من تهيئتها وتنظيمها للزائرين، أو مراكز تجارية للمواد الغذائية، غير أنها تباع معها الخمور، وملاكها لا يقبلون من الشخص التفريق بينها وبين المواد الأخرى.
هل هناك رخصة للعمل في مثل هذه الأعمال المشبوهة أم لا؟ نرجو التفصيل والتوضيح في الموضوع.
الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه؛
أما بعد: فإنّ الكسب الحلال الذي يعيش به المرْءُ، وينفِق على من أوجب الله عليه نفقتَه أمر بالغ الأهمّيّة في حياة المسلم، قال تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِے اِ۬لَارْضِ حَلَٰلاٗ طَيِّباٗ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطْوَٰتِ اِ۬لشَّيْطَٰنِۖ إِنَّهُۥ لَكُمْ عَدُوّٞ مُّبِينٌۖ﴾ [البقرة:167]، وقال تعالى: ﴿وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اُ۬للَّهُ حَلَٰلاٗ طَيِّباٗۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ اَ۬لذِےٓ أَنتُم بِهِۦ مُومِنُونَۖ﴾ [المائدة:88]، فيجِب على المسلم أن يتحرّى الحلالَ في كسبه، وأن يتجنَّبَ الحرام، ولا يجوز له أن يهاجر إلى بلَدٍ يعُمُّها الحرام، ولا يوجدُ فيها كسبٌ حلالٌ، فذلك ليس ممّا يُطلَب به الغنى؛ فإنّ المال بيد الله، وما عند الله لا يُطلَب إلّا بطاعته، قال تعالى:﴿ وَمَنْ يَّتَّقِ اِ۬للَّهَ يَجْعَل لَّهُۥ مَخْرَجاٗ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُۖ وَمَنْ يَّتَوَكَّلْ عَلَي اَ۬للَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُۥٓۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ بَٰلِغٌ اَمْرَهُۥۖ قَدْ جَعَلَ اَ۬للَّهُ لِكُلِّ شَےْءٖ قَدْراٗۖ ﴾ [الطلاق: 2-3].
وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: “إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجمِلوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله عز وجل، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته” [مسند البزّار]، وقال صلى الله عليه وسلّم: “الرزق أشد طلباً للعبد من أجله” [الجامع الصغير].
فمن هاجر إلى بلد يظُنّ أنه يجدُ فيه عملا حلالا، ولم يجِدْه فلينصرف إلى غيرِه، فإنّ الحلالَ – والحمد لله – كثيرٌ، ومن لم يستطع أن ينصرف إلى غيرِ ذلك البلد، فيجوز له من ذلك العمل المحرّم ما يسُدُّ ضرورتَه، وحد الضرورة هو ما يغلب على الظن وقوع الإنسان إن فقدَه في الهلاك، أو أن تلحقه مشقة لا يُطيقُ تحمُّلَها، فإذا لم يجد ما تزول به ضرورته إلا بعمل محرَم ، فلا حرج عليه فيه، قال تعالى: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمُۥٓ إِلَّا مَا اَ۟ضْطُرِرْتُمُۥٓ إِلَيْهِۖ ﴾ [الأنعام: 119]، وقال تعالى: ﴿فَمَنُ اُ۟ضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَلَآ إِثْمَ عَلَيْهِۖ ﴾ [البقرة: 172].
والعلم عند الله تعلى.