أنهيتُ الليلة في العاصمة الإفوارية آبيدجاه المحطة الخامسة والأخيرة من لقاءات جماهيرية الكمّ نخبوية النوع، مع نماذج من جالياتنا في الخارج شملت بالإضافة إلى الكوتديفوار كلا من الغابون والكونغو وآنغولا، وذلك في رحلة ناهزت الأربعين يوما، وكانت رحلة موفقة ناجحة بفضل الله، وبجهود هذه الجاليات المحترمة.
لقد كانت الزيارة إلتزاما انتخابيا قطعته على نفسي خلال الحملة الانتخابية الماضية، فحالت دون تنفيذه مبكرا ظروف بداية التجربة في البرلمان وسنتا كورونا. كما كانت واجبا مهنيا بصفتي نائبا عن الشعب عمومه، ولا شك أن الجاليات تستحق عليّ وعلى البرلمانيين عموما وعموم الساسة، وعلى السلطة بشكل خاص المزيد من الاهتمام والإنصاف ورد الجميل.
لقد احتضنتني هذه الجاليات خلال رحلتي بفائق النبل والكرم والاهتمام، فرأيت منها وسمعتُ ما يثلج الصدر وعيا وتضحية ونضجا واهتماما بالبلد وواقعه، وتوْقا إلى الرفع من شأنه وتغييره إلى الأفضل، علاوة على ما قدموه ويقدمونه لصالح المجتمع، فهي جاليات طالما عالجت المرضى، وأطعمت الجياع، وأنفقت على تعليم غير المتعلمين، وساعدت المحتاج، ووفرت فرص العمل الكثيرة للعاطلين.
حفظهم الله وبارك في أنفسهم وأموالهم.
إن لسان حال الزائر لهذه الجاليات هو:
إن زرته فلفضله أو زارني / فلفضله فالفضل في الحالين لهْ
لقد ناقشت مع هذه الجاليات حقوقها وواجباتها، كما ناقشنا واقع البلد وضرورة السعي إلى تغييره إلى الأفضل في حدود " المتاح واقعا، المباح تشريعيا". وأحزنني كثيرا أن هنالك الكثير مما يمكن أن تقوم به السلطة لصالح جالياتنا ولم تفعل، ومن ذلك حل مشاكل الأوراق المدنية وهذا أبسط الحقوق وأكثرها تكرارا، وقضايا التمثيل الدبلوماسي حيث لا يوجد أي تمثيل دبلوماسي لهذه الدول الأربع في نواكشوط، كما لا توجد سفارة موريتانية في الغابون، هذا علاوة على قضايا التعليم والثقافة والدعم الاقتصادي بالتوجيه والتأطير والمواكبة، وإبرام الاتفاقيات الثنائية بين بلدنا وكل دولة توجد بها جالياتنا بما يخدم المصلحة العامة.
ناقشنا بإسهاب واجب المشاركة السياسية للجاليات وضرورة أن تستخدم الأوراق التي تملك للدفع بالبلد إلى الأمام، وعدم صوابية التفرج على معركة الوطن، فالوطن يستزفهم بسبب عدم قيام مؤسساته بالواجب فيدفعون هم ثمن ذلك مثل بقية الشعب أو أكثر. كما ناقشنا حقهم في إتاحة الفرص لهم ترشحا وانتخابا، وضرورة تغيير "القانون" اللادستوري الذي يحرم هذه الجاليات من انتخاب ممثليها في البرلمان بشكل مباشر طبقا للدستور، بالاضافة إلى توفير مكاتب للتصويت أو إتاحة التصويت الألكتروني لهم.
يشرفني أن أغلب ما ناقشت مع جالياتنا من أوضاعها سبق وأن تناولته كتابة قبل البرلمان، أو مداخلات بعد ولوج قبة البرلمان، وفي الإعلام بين هذا وذلك، وأن جزءً يسيرا من ذلك تحقق بفضل الجميع داخل البلد وخارجه مثل إسقاط قانون منع ازدواجية الجنسية. كما أني متأكد أن مطالب جوهرية للجاليات ستتحقق إن شاء الله، ولو احتاجت جهدا من المنصفين عموما خاصة من صناع الرأي والنواب ومن الجاليات نفسها، فما نيل المطالب بالتمني ... وبنفس الأمل والإحساس متأكد أنْ سيكون للجاليات عموما شأن كبير ودور محوري في تسريع عملية التغيير بشكل مسؤول وناضج وقانوني، فمستوى الوعي والاستقلالية وقوة التأثير تساعدهم للعب دور أكبر في الشأن العام.
يؤسفني أنني لم أتمكن من زيارة كل الجاليات في دول المنطقة وخاصة في مالي والسنغال وغامبيا والغينيتين والكونغو الديموقراطية (زايير سابقا) والكاميرون وغيرها
ومبلغ جهدي أنْ سلام عليكما
وليس يلامُ المرء في مبلغ الجهد
وربما تتاح فرص أخرى لرحلات إليهم أو إلى بعضهم، حين حال ضيق الوقت الآن، وتزاحم الواجبات، وظروف أخرى متعددة دون التشرف بزيارتهم، وقد يخفف وقع ذلك الصلة ببعض الأفراد في كل هذه الجاليات مما يسمح بالاطلاع على بعض ظروفهم ولو عن بعد.
سوف أعود لتفاصيل أكثر عن هذه الرحلة من زوايا مختلفة وفي مقامات مختلفة، وسوف أنشر موادها في وسائل إعلام مختلفة وفي مواقع التواصل الاجتماعي إن شاء الله.
ختاما، أجدد شكري لكل جاليتنا حيث ما حلوا، وأملي فيهم بل أمل الوطن فيهم كبير، كما أن أملي في الجادين داخل الوطن من صناع القرار وصناع الرأي كبير بخصوص إنصاف الجاليات وحل مشاكلها، وإشراكها في شأن الوطن، وذلك أضعف الواجب تجاههم.
وإن تكن الأجسام منا تبـــاعدت
لأجل قَضـاء مـــالنا عنه من بُـــدِّ
فما ضرنا نأي الجسوم وقد دنت
قلوب طوينــاها على خالص الودِّ
حفظ الله جالياتنا أينما كانوا وبارك فيهم.
النائب البرلماني محمد الأمين سيدي مولود