أواسط التسعينيات كنت طالبا في جامعة باريس، وكنت ولا أزال شديد الإعجاب بمستوى احترام المسؤولين في الدول الاسكندنافية للمال العام. أتذكر أن أول فضيحة سمعت بها كانت ما سمي في تلك الفترة ب Le scandale de toblerone.
عام 1995 أقدمت نائبة رئيس وزراء السويد على شراء علبة شوكولا ببطاقة اعتمادها الرسمية. في السويد مباشرة بعد تعيين الحكومة يتم توزيع بطاقات الاعتماد البنكي، كل وزير لديه بطاقة لدفع المصاريف المتعلقة بعمله، من تذاكر القطار والتاكسي والطائرة، أو عندما يقوم بدعوة وزير أجنبي على العشاء مثلا.
هناك لا يوجد سكن رسمي ما عدا الوزير الأول (ويدفع عنه إيجارا) أما السيارة الرسمية والسائق وما إلى ذلك، فلا وجود لها. وطبعا جميع المصاريف محددة، مثلا لا يجوز أخذ التاكسي عندما يكون الميترو موجودا وإلا يقوم الوزير بدفع الفرق. وجميع المصاريف تخضع لرقابة صارمة من لدن المواطنين، حيث أن كشف الحساب البنكي لبطاقات الحكومة متوفر على الانترنيت والصحافة تقوم بدورها.
الوزيرة المذكورة طبعا قدمت استقالتها في نفس اليوم الذي تم فيه اكتشاف الاختلاس، علما أن سعر العلبة المذكورة لا يتجاوز 10 يورو أي أقل من 5 آلاف أوقية قديمة !
تزامنا مع هذه "الفضيحة" كان والد أحد أصدقائي (وهو عقيد في الجيش) وزيرا في الحكومة الموريتانية آنذاك. وكانت لديه ثلاثة سيارات حكومية: مرسيدس للتنقل الرسمي، ورباعية دفع من نوع ميتسوبيشي باجيرو للأسفار في الداخل، وكورولا للمنزل، وطبعا كل سيارة معها سائق، ناهيك عن الحرس والخدم والحشم، الذين يتقاضون رواتب من الخزينة العامة.
تصادفت عطلتي الصيفية مع خروجه من الحكومة. تلقى الخبر وهو في منزله.
مباشرة أمر أولاده بنزع لوحات أرقام السيارات ما عدا المرسيدس، وقيادتها نحو "كزرته" في ضواحي العاصمة. تم إخفاء السيارات عدة أسابيع. بعد ذلك قام بترقيمها واستعمالها كأن شيئا لم يكن !.
تذكرت هذه الحادثة وأنا أقرأ بيان وزارة المالية المتعلق باختفاء قرابة ألف سيارة مملوكة للدولة، قام مسؤولون سامون بسرقتها، وتحويلها إلى أملاك خاصة.
من صفحة الإعلامي والمدون: الحسن لبات