ارتفع مستوى الحساسية وتراكم حالة غضب مصرية خلال الساعات القليلة الماضية من الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي تتهمه الدوائر المصرية الامنية الآن بدون إعلان طبعا بإعاقة أول محاولة لتوفير غطاء فصائلي يصلح لتدشين مشاريع إعادة الإعمار.
ظهر انزعاج المصريين الكبير من خلال البيان القاسي دبلوماسيا الذي صدر لإعلان إرجاء اجتماع بين الفصائل الفلسطينية كان اشبه بمؤتمر مصغر وله هدف يخدم الاستراتيجية المصرية في ملف قطاع غزة.
وتلمّس المراقبون الغضب والانزعاج المصري من العبارة التي وردت في البيان الرسمي والتي تحدثت عن تأجيل الحوار الفصائلي الفلسطيني "إلى اشعار آخر" ، بمعنى عدم تحديد سقف زمني جديد لانعقاد اجتماع فلسطيني يرى المصريون انه ضروري جدا مرحليا.
في بداية الاتصالات المصرية التنسيقية وافق الرئيس عباس على حضور اللقاء وأرسل وفدا ترأسه اللواء جبريل الرجوب وضم كل من أحمد حلس وروحي فتوح فيما كان الشيخ إسماعيل هنية مع وفد من حماس قد وصل للقاهرة أصلا وعقد مسؤولون مصريون لقاءات مستقلة مع وفدي حماس وفتح.
في الأثناء أخذت القاهر علما بأن الرئيس عباس أصدر أمرا بمنع الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية ومناطق السلطة من السفر إلى القاهرة وكان هذا الأمر أوّل إشارة تصل المصريين بسعي الرئيس عباس لتأطير أو إفشال اللقاء الفصائلي.
المفاجأة الثانية للمصريين تمثّلت في الخطاب الذي حمل فيه وفد حركة فتح الثلاثي أجندته بالنسبة للجهد المصري الجديد فقد تحدث الثلاثي الرجوب وحلس وفتوح وبغياب المستشار عزام الاحمد عن شرطين أساسيين لا يمكن التنازل عنهما لإقامة تنسيق تحت عنوان مشاريع الاعمار في القطاع عبر المظلة المصرية.
الشرط الأول تمثّل في تعليمات مباشرة وقطعية من الرئيس عباس بأن على حركة حماس الاتجاه فورا للمشاركة في حكومة وحدة وطنية فلسطينية وقبل الانتخابات ودون انتظار اجرائها.
الشرط الثاني أن الانتخابات الفلسطينية لن تجرى بدون موافقة إسرائيل على شُمولها في القدس المحتلة.
أبلغ الوفد الفتحاوي المصريين بأن الشرطين المشار إليهما يمثلان موقف السلطة والرئيس عباس وعلى أساسهما ينبغي أن تجري لقاءات القاهرة فيما كان الرئيس عباس يمنع فصائل منظمة التحرير في الضفة الغربية من السفر.
حاول الجانب المصري دفع حركة فتح إلى إظهار قدر كبير من المرونة وعدم وضع شروط مسبقة للقاء التشاوري الفصائلي لكن صلاحيات الرجوب ورفيقيه كانت مقيدة تماما بأمر رئاسي مباشر، الأمر الذي أغضب الجانب المصري ووضعه في سياق يُفهَم منه بأن الرئيس عباس تقصّد إفشال اللقاء في القاهرة.
سمع المصريون تشخيصا وتحليلا لموقف عباس الذي أغضبهم قبل اتخاذ قرار بتأجيل اللقاء التشاوري إلى إشعار آخر واستند التحليل على أن الرئيس عباس بقناعة الدوائر المصرية “لا يرغب في التعاون” وقد يعيق استراتيجية الاشتباك المصرية تحت مظلّة مشاريع إعادة الإعمار فقد حضر وفد حركة فتح مجللا بالموقف الذي أعلنه رئيس الوزراء الفلسطيني قبل اتصالات القاهرة أو عشيتها الدكتور محمد اشتية وهو يرفع” فيتو” مسبق على أي أفكار أو مقترحات لا تعتبر كل ما هو ذو صلة بمشاريع اعادة الاعمار حصريا عبر السلط.
أخفق المصريون في تليين مواقف عباس والوفد الفتحاوي.
لكن الغضب اجتاح دوائرهم في الاثناء وابلغوا حركة حماس وشخصيات فلسطينية أخرى بأنهم ماضون في مشروع اعادة الاعمار بالحد الأدنى من التنسيق المحلي والخدماتي مع قيادات “الأمر الواقع” وهي طبعا قيادات حماس المحلية ودون اضفاء طابع سياسي.
الرد المصري على عباس تقرّر على هذا الأساس بحيث أن الانخراط المصري في إعادة الإعمار سيكون عنوانه الأمم المتحدة وليس حركة حماس
وعلمت "رأي اليوم" فورا بأنه خلافا لعباس والسلطة وافق كل من اسماعيل هنية ويحيي السنوار على هذه الاستراتيجية المصرية.
وقد تبيّن قبل ذلك للمصريين بأن الرئيس عباس يرغب بإرجاء اي امكانية للمصالحة وتأجيل الانتخابات حتى لأبعد مسافة زمنية ممكنة "مستقويا" حسب تقدير المطبخ المصري على الأقل بالدعم الأمريكي العلني ثم الإسرائيلي الباطني له.
تلك كانت الأجواء والانطباعات والكواليس فقد اندفع الرئيس عباس وسط ما تُسمّيه أوساط فتحاوية بشعور القوة الواهم لمناورة انتهت بإخفاق المبادرة المصرية بعد ما شعرت السلطة بأن براغيها تشدّدت بفعل الإعلان للأمريكي الصريح بأن مشاريع إعادة الإعمار حصرا عبر السلطة وحماس خارج المولد.
شعر المصريون بقوّة بأن حركة حماس أيضا حضرت للقاهرة بسقف مرتفع قليلا وبأن عقد الاجتماع الفصائلي في ظل بروز الأجندات عند الطرفين في فتح وحماس قد يؤدي إلى فشل الاجتماع في ظل حالة الزخم المصرية والانخراط مما دفعهم لاتخاذ قرار بتأجيل الاجتماع أو إلغاءه حتى إشعار آخر.