ترى ما سر العلاقة بين الغزليات الطافحة بالمشاعر وبين حرف الواو رويا؟
كنت دائما أشعر بأن الواو المفتوحة عندما تكون رويا، فكأنها تمنح الشاعر فرصة الصراخ (وَااااا)، لكنها أيضا تمكن القارئ للقصيدة من ممارسة الصدى عند نهاية البيت، وكأن مشاعرالعاشق هوت في بئر سحيقة وما زال صداها يتردد في الأثير على هيئة صرخة توجع وأسى ( وَاااا) ..
الواو المفتوحة رغم ارتباطها بالنصوص الرائعة والغزلية بالذات، لا يركبها الشعراء كثيرا .. لست أدرى هل هو هروب من مسحة الفناء التي تبرز مع مد الواو في آخر القافية، أم عجز في اللغة يجعل القافية الواوية نادرة؟..
هذا الروي ركبه من شعرائنا محمد ولد ابن ولد احميدا في رائعته المشهورة ( لها قصة لا يتسع المقام لنشرها، حيث تأثر فيها بواوية يكوى الفاضلي، وقيل زعدر ) يقول ولد ابنو :
أرَاحَت لِقَلبي عَازِبَ الهَمِّ والهَوَى == رُبُوعٌ بِذَات الرِّيعِ شَرقِىِّ ذِى الهُوَى
وألوَت بِصَبرٍ بَعدَ صَبرِى مَنَازِلٌ == بِجَنبَةِ ذَاتِ الدُّخنِ في مُلتَوَى اللِّوىَ
وقَد هَيَّجت آيَاتُ دُورٍ مَحِيلَةٍ == لَدَى مَيسةِ المَرضَى البَلاَبِلَ والجَوَى
وبِالسِّفحِ مِن بَصَّارَةِ المَيسَةِ التى == تَلِى تِلعَةَ الغُدرَانِ مُرتَبَعٌ قَوَا
وفي جَانبي غَورِ الغَدِيرِ مَرَابِعٌ == دَوَارِسُ هِىَّ الدّاءُ لِى وَهِي الدَّوا
وفي جَلهَتَى ذَاتِ الجِمَالِ ونَعفِهَا == إِلَى مُلتَوَى الوَعسَاءِ مِن حَيثُ مَا التَوَى
مَعَاهِدُ إِن رُمتُ إرعَوَاءً عَنِ الصِّبَا == أبَى ذِكرُهَا إِلاَّ ارعوَاءً عَنِ ارعِوَا
مَنَازِلُ مَاهَاجَتهُ مَاهِيجَ قَبلَهَا == فَقلبي عَلَى صَفوِ الوِدَادِ لَهَا انطَوَى
أقَمتُ بِها دَهراً بِأهَنَأِ غِبطَةٍ == وأعذَبِ وَصلٍ آمِناً صَولَةَ النَّوَى
دِيَّارٌ بِهَا احلَولَى التَّصَابي وَأينَعَت == غُصُونُ الهَوَى حَتَّى تَأنَّقَ وَاستَوَى
فَكَم لَيلَةٍ في هَذِهِ الدُّورِ بِتُّهَا == أُغَازِلُ غَزلاَناً مَعَاصِمُهَا رِوَا
إِذَا ابتَسَمَت خِلتَ البُرُوقَ إبتِسَامَهَا == سَناً في هَوَاءٍ مِثلُ آخَرَ في هَوَا
وَتَحسَبُهَا مَهمَا تَثَنَّت أو استَوَت == نَضِيرَاتِ بَانٍ في تَثَنٍّ وفي استِوَا
ومَهمَا التَوت فَوقَ اللِّوىَ قُلتَ هَذِهِ == ظِبَاءُ اللِّوَى لَولاَ الشَّوَاكِلُ والشَّوَى
دِيَّارٌ حَنَينَا العِلمَ في جَنَباتِهَا == شَهِيًّا وَأدنَينَاهُ إِذ هُو مُجتَوَى
وَرُضنَا بِهَا صَعبَ القَوَافي فأَصبَحَت == لَنَا ذُلَلاً فِيهَا ضَوىً ولَهَا قُوَى
الى آخرها ..
وركبه أيضا عبد الحي ولد التاب :
وعاذلة هبّتْ تقول : أما تهوى == سوى المدحَ، لا مياً تريدُ ولا أروى؟
فقلت لها : كفي ملامكِ واقصري == فلي غزل جمٌّ، فقالت: أما يروى؟
فقلت لها : يروى، فقالت : فذا الذي == روى غزلا من شعركَ اليوم، مَنْ هوا؟
فقلت لها : إن التعلُّمَ تركُه == ولو غزل الأشعار عمت به البلوى
ولكن دعيني اليوم أذكر فتية == ولستُ أقول المدحَ بعدُ ولا الهجوا
فقالت : فقل واصدق، فقلتُ لها : اسمعي == ولن تسمعي فيه السناد ولا الإقوا
وركبه نزار قباني :
إليَّ اكْتُبِي ما شئتِ .. إني أُحِبُّهُ == وأتلوهُ شِعْراً .. ذلكَ الأدَبَ الحُلْوَا
وتمتصُّ أهدابي انحناءاتِ ريشةٍ == نسائيةِ الرِعْشَات .. ناعمةِ النجوى
عليَّ اقْصُصي أنباءَ نَفْسِكِ .. وابعثي == بشكواكِ .. مَنْ مثلي يشارككِ الشكوى ؟
وتفرحني تلك الوريقاتُ حُبِّرَتْ ==كما تُفْرِحُ الطفلَ الألاعيبُ والحلوى
إلى آخره ....
من صفحة الأديب والكاتب الصحفي: الشيخ معاذ سيدي عبد الله