"داء الجهوية" يستشري في صفحات هذا الفضاء من جديد، ليطرق باب الفن هذه المرة، فيشعل تجاذبات ومفاضلات بين علمين فنييْن(ديمي بنت آب، والنعمة بنت الشويخ).
وهذا نتاج طبيعي لتجاذب جهوي "سخيف" دأب على إذكائه بعض رواد الوسائط الاجتماعية في بلادنا، جِداً ولعبا...
والجهوية كالعنصرية أمراض اجتماعية تفتك بالشعوب والدول، ويزداد تأثيرها السلبي بالتراكم، فتتوارثها الأجيال وتشحنها بتفاصيل الأحداث، حتى تستحيل واقعا يعيق التنمية والسلم الأهلي. فلايُستقل قليلها أبدا، ولاتصلح مجالا للعب والخوض تسليةً وإلهاء... لما تثيره من نعرات تتوسع مع السنين فتخلق حواجز بين جهات الوطن الواحد وأجياله!.
عودةً إلى "المفاضلة" موضوعَ الساعة؛ فهي غير واردة مطلقا، ولم يوفق الخائضون فيها؛ ذلك أن المفاضلة(وكذلك المقارنة عموما) - في الفن - تكون بين تجربتين متجانستين في الأداء و"النمط الموسيقي"، ليتسنى لأهل التخصص تقديما أو تأخيرا، أما غيرهم من جمهور السماع فلكلٍّ ذوق، ومزاج، وميول، وتعود، وعوامل أخرى كثيرة تجعل أحكامهم في مثل تلك "المفاضلات" انطباعا نسبيا، ولايضيف أي قيمة لمقَدَّم، ولاينزعها من مؤَخَّر، إلا أن يصرحوا بأذواقهم وميولاتهم الفنية. واختلافُهم في الحكم طبيعي؛ فالأذواق مختلفة كاختلاف الأجناس، والفئات، والأمزجة، والتجارب... والآذان، والعيون...
"ديمي" صرح فني متكامل، مازال يضيف إلى الفن الموريتاني قيما إبداعية سيلا جاريا لاينضب، وقد حصدت لقب "كوكب الصحراء" فنا وأخلاقا، لايسمعها موريتاني إلا سجدت آذانه في محراب نغمتها العذبة سجودا. رحمها الله.
و"النعمة" نعمة فنية وأدبية بهذه البلاد، ونغمة ذهبية تعانق القلوب قبل الآذان، ماتزال منذ ما يزيد على نصف قرن - لاقوة إلا بالله - تنسج رداء ذهبيا يزدان به الفن الموريتاني الأصيل... أطال الله بقاءها.
ولكل منهما لونه الموسيقي متميزا وبارزا؛ فليأخذ السامع من العَدْوَتيْن الفنيتين ما وافق ذائقته وجانس مزاجه واستعذبته أذنه في ساعته تلك!.
كما قال الشاعر:
شمن الناسْ الْشي راسلُ .... مولانَ مرَّ خايفْ
اومَرَّ طامع، والناسْ لُ .... كانتْ فرْبگْ تجَّايفْ!.
الفن الموريتان غني، يتيح الخيارات المتنوعة، ولكلٍّ وجهته الفنية ومشربه!.
أما موريتانيا(من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب) فهي وطن واحد، وأعلامه الفنية، والأدبية، والفقهية، والعلمية... تعلو منطق "المناطقية" الضيق، فلاينطبق عليها ذاك التصور القاصر!.
_____
من صفحة الأستاذ محمد فال سيدينا على الفيس بوك