
فجأة ودون سابق إنذار أصبح على الموريتانيين تقبل حقيقة أن حدودهم الشمالية مع الجارتين الشقيقين الصحراء الغربية والمملكة المغربية قد تصبح في أية لحظة بارود حرب لا أحد يمكنه التكهن بنتائجها واحداثها وتعقيداتها.
التوتر تصاعد بين المغرب وجبهة البوليساريو قبل نحو 3 أسابيع إثر عرقلة الأخيرة عبور الشاحنات المغربية لبلادنا عبر معبر (الكركرات).
هواجس الحرب
مساء الجمعة الماضي أعلن بيان للخارجية المغربية عن تحرك عسكري مغربي لوقف ما سماه البيان ب"وقف الاستفزازات في الكركرات" مضيفا أنها "عملية ليس لها نوايا عدوانية".
وفي بيان للجيش المغربي قيل أيام تم التأكيد على "عدم اللجوء إلى استخدام السلاح إلا في حالة الدفاع الشرعي" وإقامة حزام أمني لتأمين تدفق السلع والأفراد عبر معبر الكركرات الذي تم فتحه بالكامل وعادت انسيابية حركة الشاحنات داخله إلى سابق عهدها.
لكن الجيش المغربي عاد وأعلن قبل يومين أنه دمر آلية عسكرية تابعة لما سماه متمردي البوليساريو في إشارة إلى الجبهة التي تسعى لاستقلال إقليم الصحراء الغربية.
من جهتها جبهة البوليساريو صعدت من لهجتها وتحركاتها وأعلنت أن ما سمته حربا مفروضة على الشعب الصحراوي قد اندلعت وبدأت المعارك، وأفادت بيانات للجبهة إنها بدأت الحرب في المنطقة المتنازع عليها واستهدفت بالقصف تجمعات عسكرية مغربية معتبرة أن قصفها خلف قتلى وجرحى في المنطقة المحاذية للكركرات حسب زعمها.
ومنذ العام 1991 من القرن الماضي اتفق كل من المغرب وجبهة البوليساريو على وقف إطلاق النار بينهما، إثر التنازع على معبر الكركرات، والذي يعد بوابة اقتصادية تربط بين المغرب وعدة عواصم إفريقية. لكنه مع تجدد الأزمة الأخيرة دعت الأمم المتحدة الأطراف المعنية إلى ضبط النفس ونزع فتيل التوتر بشأن معبر الكركرات. وقال "ستيفان دوجاريك" المتحدث باسم الأمين عام الأمم المتحدة عشية إغلاق المعبر قبل نحو شهر إن البعثة الأممية في إقليم الصحراء رصدت منع حوالي 50 شخصًا، بينهم رجال ونساء وأطفال مرور الشاحنات على الشريط العازل في المعبر الحدود دون تسمية الجهة التي ينتمي إليها هؤلاء الأشخاص وذلك في إشارة إلى المدنيين الصحراويين الذين أغلقوا المعبر لمدة ثلاثة أسابيع وأعلن الجيش المغربي إجلاءهم يوم الجمعة الماضي.
وبرأي محللين فإن الاشتباك الحاصل حول الكركرات سيعيد تموضع ملف إقليم الصحراء في صدارة المشهد الدولي بعد نحو 3 عقود من التهدئة. خاصة أن أكبر المتضررين من عرقلة التبادلات الجارية في المعبر هي الاستثمارات الإسبانية والفرنسية المرتبطة بالموانئ الموريتانية.
الموقف الموريتاني الذي ينتهج الحياد في الصراع المغربي الصحراوي جدده بيان صادر عن الخارجية الموريتانية مساء الأربعاء الماضي قالت الخارجية الموريتانية فيه إنها "تدعو جميع الأطراف إلى التحلي بضبط النفس وتغليب منطق الحكمة، وتهيب بكل الفاعلين للسعي إلى الحفاظ على وقف اطلاق النار والى حل توافقي عاجل للأزمة وفقا لآليات الأمم المتحدة، يحفظ مصالح الأطراف ويجنب المنطقة مزيدا من التوتر". وأشار البيان إلى أنه "قد أجريت - في هذا السياق - العديد من الاتصالات في مسعى حثيث لنزع فتيل الأزمة".
يشار إلى أن النزاع بين المغرب و"البوليساريو" حول إقليم الصحراء بدأ عام 1975، بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة. وتحول الصراع إلى مواجهة مسلحة استمرت حتى 1991، وتوقفت بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار، اعتبر "الكركرات" منطقة منزوعة السلاح.
وبرأي مراقبين فإن الموقف الموريتاني قد يتطور في الأيام القليلة المقبلة إلى محاولة تقريب وجهات النظر بين الجيران المتقاتلين خاصة بعد الاتصال الهاتفي الذي أجراه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتريش قبل أيام بوزير الخارجية اسماعيل ولد الشيخ أحمد وفهم من بيان حول الاتصال الهاتفي المذكور أن الرجلين ناقشا رغبة الأمم المتحدة في أن تضطلع موريتانيا بدور محوري في إنهاء حالة التوتر الحالية نظرا لارتباطها بعلاقات قوية مع طرفي النزاع، وأن الأمم المتحدة ستعمل غلى إنجاح أي دور موريتاني يسعى لوضع حد نهائي للأزمة القائمة في حدودها الشمالية مع الجارين الشقيقين المملكة المغربية، والصحراء الغربية.

