تابعت حدث تدشين مقرٍ جديد لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية، بدافع الفضول ـ لا الاهتمام ـ لقناعتي بأنه محاولة لنفخ الروح في حزبٍ مرتبطٍ في ذهني بكل الاخفاقات التي عرفها البلد منذ الاستقلال، إذ الاتحاد من اجل الجمهورية هو ذاته "عادل" قبل الانقلاب عليه، هو الحزب الجمهوري، هو هياكل تهذيب الجماهير، هو حزب الشعب؛ هو كسابقيه من مجامع الخنوع والخضوع والتزلف المقيت للحاكم بغض النظر عن اسمه ووسمه.
وبوصفي أحدَ المتغزونين، أو الموالين الجدد، لستُ فرحاً أبدا لعودة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية إلى ألقه، بل يغيظني تثمينهم لما رأوا فيه إنجازات مهمة في عهد ولد عبد العزيز؛ لو كانت حقيقية وواقعية ما فاتت على مراقب مثلي عركته رحى السياسة وثبت لثلاثة عقود في معمعان الإعلام من موقع متابعة يتيح الاطلاع الجيد.
إذا فلست في وارد الدفاع عن جهود بعث نسخة حزب الحاكم هذه؛ ولا تبرير إعادة إنتاج الماضي بوجوهه الخشبية وخلفياته المناقضة لمفهوم الدولة وروح العصر؛ ولذلك لا أكتم أنه ربما صادفت حملة الانتقادات الواسعة التي واجهتها هذه المحاولات على مواقع التواصل الاجتماعي هوى في نفسي.
بيد أنني وباستحضار أن السياسة فن الممكن لا أملك مفرا من التخلي مؤقتا عن نظرتي الطوباوية للمشهد لأتحلى إزاءه بمستوى من الواقعية يضفي دقة على التحليل ويمنحه مصداقية وأهم مثل يعقلن الطموح المشروع للتغيير لدى فئات عريضة من الشعب الموريتاني.
صحيحٌ أن ولد الغزواني حظيّ بدعم عريض من قوى معارضة، لكن هل كانت كافية وحدها لإيصاله إلى القصر؟ وصحيحٌ كذلك أنّه شكّل بالنسبة للمعارضين بداية أملٍ في مرحلة جديدة، لكن هل الاتحاد من أجل الجمهورية، قادرٌ على قتل هذا الأمل؟
كل الوجوه التي غاظنا تدويرها تمثل واجهات سياسية وازنة في طول البلاد وعرضها ومن الصعوبة بمكان تنحيتها من المشهد العام؛ وبالتالي فهم واقع يفرض نفسه والتعامل معه يدخل في إطار إكراهات المرحلة وبالتالي علينا أن نمنح الرجل فرصة، مع أنه ليس بوسعنا إلا أن نمنحها له.
لا أقول إن موريتانيا عقمت أن تنجب غير هذه الواجهات أو أننا ملزمون بالقبول بهم طوال الوقت والتغاضي عن ماضي بعضهم هم أو ماضي معظمهم المثقل بالفساد وتملق الأنظمة؛ ولكن أقول إن الرئيس الغزواني يدرك أكثر من غيره حقيقة أن بعضهم او معظمهم لن يكونوا رجال الإصلاح الذي يطمح له، الجميع وينتظره الجميع ولكن الخيارات أمامه محدودة راهنا.. لا تنسوا أن الرئيس بيرام والرئيس ولد بوبكر كانا من قوم الحزب الجمهوري مع فارق المكانة فيه، وأن جميع اجيال موريتانيا، إلا من رحم ربك، قد ولغت في الأواني ذاتها.
اعتقد كأحد السابقين إلى التغزون أن الرئيس لن يسعى لاستفزاز مشاعر الشعب بوضع ثقته فيمن ليسوا أهلا لها؛ ولنا في التشكيلة الحكومية المثال الحسن، بل سيضفي مع الوقت، في إطار التغيير الهادئ، مسحة أخلاقية على الحياة العامة، لا يبقى معها أمام الواجهات القديمة غير الانخراط في خدمة المشروع الوطني و من المواقع التي يحددها ماضي معظمهم غير النظيف أو التسلل لواذا خارج الحلبة.
-------------------
من صفحة الأستاذ عبد الله تفاغ المختار على الفيس بوك