لقد ظلت الطبقة السياسية التي حكمت موريتانيا مابعد الإستقلال نفس الطبقة تقريبا تتوارث؛ وتتوسع وتتقلص في نفس القطر من الدائرة ؛ وتغير الجلود وفق ماتتطلبه المراحل المختلفة؛ ورغم ماتراكم من اخفاقات، وما استجد من متطلبات، وما ناضلت عنها القوي المختلفة علي مر العقود؛ بقي الحال كما هو مولدا نوعا من اليأس مرده الخيبة والصدمات التي كانت الذاكرة الجمعوية عرضة لها كلما لاحت بارقة أمل!
ولأن البديل المفترض براقش جنت علي نفسها؛ ظلت البلاد تدور في نفس الحلقة المفرغة، ولعل الإنتخابات شكلت الأمل والألم في نفس الوقت؛ المعضلة التي تزيد طين الأزمات بلة؛ فما استطاعت المعارضة أن تتكيف معها لتكسب الرهان.
لم تعترف المعارضة الموريتانية بما تمخضت عنه اول انتخابات تعددية تشهدها البلاد 1992 وكانت االنتيجة التي تحصلت عليها يومها مشرفة ومبهرة رغم الظرف والتزوير المشاع؛ فَوَلدَ كوبني عقدة واكبت المعارضة طيلة مسارها فما اعترفت بشيئ بعد ذلك؛ باستثناء القوس الديمقراطي نهاية المرحلة الأنتقالية، والتي مالبثت أن ندمت علي اعترافها بمخرجاته فشرعت في سحب ذلك الإعتراف قبل ان يمضي الشيخ المنتخب نصف مؤموريته القانونية!
في 2003 دخلت مع العقيد المضطرب بعد أحداث يونيو سباقا رئاسيا وما اعترفت بسلامة انتخابه ؛ وفي2009 مع الجنرال الصاعد؛ بعد اتفاق ومواثيق وما اعترفت؛ وفي2014 قاطعت وما اعترفت، وهي تعيد خطأ ارتكبته 1998 فما أغني عنها من الحصار من شيئ بل زادها وهنا علي وهن. لتركب رأسها بعد الفرز وترفع عقريتها بأن النتائج لن تمر علي رؤوسها؛ لما شابها من تزوير ممنهج، أو لأحاديتها؛ وعدم شرعيتها؛ وبعد لَأْيٍ تسير الأمور وكأن شيئا لم يكن، ويُنصب الفائز ؛ ويعترفوا وهم صاغرون!
لو كانت معارضتنا المتقلبة تأخذ الدروس من تجاربها المريرة؛ وتستلهم العبر من جوارها الأقرب، لكانت كأضرابها في غرب افريقيا والساحل؛ لكنها ظلت تلدغ ومن نفس الجحر؛ فاستمرأت الهزائم وألفت الخيانة بين اقطابها كلما حانت ساعة الحسم واشرأبت أعناق الحالمين؛ بغذ تبزغ فيه شمس التغيير.
في الوقت بدل الضايع لعب الكثيرون علي نجيلة الملعب السياسي المهترء عندنا؛ حملوا لواء العمل المعارض وأغلب "اهدافهم" يحتاج تقنية الفار. في زمن الاستراحة مابين الشوطين يلتحق الكثير من المشجعين بالصف المعارض؛ ممن لاحقتهم فضائح الدور المُوالي؛ ولايلبث الجمع أن يساند الفريق الخصم عندما تحين ضربات الترجيح!
كان مسعود البادئ؛ فهو أول الزعامات التاريخية التي شقت الصف بعد الحقبة الطائعية؛ وهو ذنب جر ذيوله علي مابعده؛ فما تأهل الفريق إلي نهائيات الكأس بعد ذلك.و ظل التحالف ومن لحق به علي دكة البدلاء؛ علي اتم الجاهزية كلما تعثر احد اللاعبين.
توالت النيران الصديقة تقضم ماتبقي من الجسم المعتل؛ فاختل التوازن وفقدت الوحدة ؛والعمل المشترك؛ واختلفت زخارف القمصان ؛ معارضة ناصحة وناطحة؛ وواحدة محاورة وأخري متشددة؛ ترونهم رأي العين يتنابزون بالالقاب؛ فيهم وجدت مولاة الفطرة شواءً، فما احترقت أياديها وهي تضع القدر المُمَانع علي نار هادئة لينضج.
عملت الأغلبية في مواسم الانتقال الشتوي والصيفي علي جذب النجوم؛ ففي 2013 انخرم إجماع المنسقية بالواحد في لحظة حاسمة علي ابواب انتخابات تشريعية والبلدية هامة؛ واضطر المنتدي المعارضة بكل أطيافه صيف 2018 للدخول في انتخابات لم يشارك في تهيئة أجوائها؛ ولاصياغة لائحتها الانتخابية ولا لجنة حكمائها المزعومة؛ مرغما تحت سيف الحل المسلط علي المغاضبين بعد حوار المعاهدة؛ ذاك الحوار الذي ما قرات أحزاب المنتدي رسائله وقد طبقت عليهم مخرجاته وهم كارهون؛ لو فهمت تلك الرسائل لتجنبوا شرك حوار 2018 طبقا قاعدة مالاتدرك كله.
طويت صفحة وبدات اخري؛ حملت فيها المعارضة حزمة وعود ما استطاعت أن تَفِيَ بها؛ وشاركت مكرهة في سباق رئاسي فصل علي أعين الرئيس وبأدواته؛ وبات المشهد مابعد الانتخابات ينبإ بتقسبم المقسم مما تبقي من المعارضة بعد أن منيت بالهزيمة؛ فهل من الأسلم للزعامات الأربع الجديدة بيرام ولد الداه ؛ وسيدي محمد ؛ كان حاميدو؛ ولد مولود، أن لايعترفوا بالنتائج الرئاسية ولايدخلوا في عملية تفاوض مع سلطة الأمر الواقع، التي لن يزيدها تعنتهم إلا تهورا؛ واقصاءً وامعانا في النكاية؛ ام أنهم يجب ان يستوعبوا الدرس ويتعلموا من اخفاقات الماضي لتتجاوز موريتانيا ازمة سياسية ظلت تترنح فيها منذ 2009 . ما استطاعت المعارضة فيها استثمار الجموع المتعطشة للفعل الثوري 2011 ولا لحظات ضعف السلطة؛ وحاجتها للشراكة؛ واستعدداها لتنازل المؤلم؛ مما كان افضل للبلد؛ وأثري للمسلسل الديمقراطي المتعثر، من رادكالية ماتلبث أن تنقشع فتدرك الجماهير المخدوعة أن لو علمت النيات ما انطلت عليها المظاهر.