هل يجب أن يُقلقنا جيل الواتساب؟ * | 28 نوفمبر

 

فيديو

هل يجب أن يُقلقنا جيل الواتساب؟ *

ثلاثاء, 09/07/2019 - 11:02
الطالب ولد سيد أحمد أمبارك

مواجهات ملحمية بين بعض الشباب وقوات الأمن.  والجيش الذي يأخذ موقعه في الشرايين الرئيسية للعاصمة، وفي الخلفية سباق محموم على صور دعائية ذات تأثير صادم مضمون. كادت معركة كسر العظم التي أعقبت الانتخابات أن تخرج عن نطاق أي تحكّم بعد أن تحوّلت إلى الهواتف المحمولة. ثم أُسدِل السّتار. قُطعت الإنترنت هكذا ببساطة لعدة أيام، وأثار ذلك ارتباكا عاما، ثم بدأت بالعودة على مضض.  

نجح تطبيق واتساب للرسائل  )  واتساب ملكية  شبكة التواصل الاجتماعي “فيسبوك”   (الذي كلف شرائه مبلغ قيمته 22 مليار دولار في إثارة البلبلة على مدى 24 ساعة في موريتانيا ، هذا البلد الذي تستهلك فيه الأخبار والأخبار الكاذبة بنفس الأريحية التي يُشرب بها كأس من الشاي. يجب أن نمتلك الشجاعة الكافية للاعتراف بأن النهاية المضطربة للانتخابات الرئاسية في 22 يونيو 2019 لا ينبغي فهمها كحلقة تقليدية من أحداث ما بعد الانتخابات ،  تماما كما لا تشكل مجرد دليل على حيوية نظامنا الديمقراطي. تمر بلادنا بإحدى المراحل الأخطر في تاريخها ، والانتخابات التي انتهت للتو قد فضحت، أمام العالم، هشاشتنا الكبيرة.

حتى أقوى الديمقراطيات جانبت القانون في تعاملها مع وسائل التواصل الاجتماعي في الاثنا عشر شهرا الماضية. على هذا النحو ، يقدم نموذج الهند والبرازيل إطارا تحليليا للتأمل. حيث يعتبر المتخصصون بالفعل هذين البلدين نموذجين لمدرسة الدعاية الجماهيرية باستخدام الواتساب، وذلك عن طريق تقنية عالية الأداء هي الآستروفروتينغ (الدعاية الشعبية الزائفة) ، والتي تقوم على تضخيم الرسائل بشكل مصطنع لأغراض الدعاية السياسية أو التجارية. في الحالة البرازيلية في أكتوبر 2018 ، أغرق الرئيس الحالي جير بولسونارو وفريقه، بشكل ممنهج، خصمهم فرناندو حداد في طوفان من الرسائل غير المواتية. أما بالنسبة للهند ، فهناك شائعات تنتشر عبر الواتساب حول اختطاف الأطفال شاركوا في مشاهد إعدام غوغائي. وفي كلتا الحالتين ،  يجري إلقاء اللوم على الأخبار الزائفة Fake News ، الظاهرة التي ظهرت في بريطانيا خلال حملة البريكسيت في مارس 2016 وفي الانتخابات الرئاسية الأمريكية قبل بضعة أشهر.

لقد كانت سلسلة الأحداث التي عشناها عقب الانتخابات مفاجئة للجميع، ومع ذلك فقد ظهرت نُذر الخطر منذ بضعة أشهر. في مايو 2017 وبعد موجة غضب مفاجئ، دعا سائقو سيارات الأجرة إلى إضراب  تحول تقريباً إلى صدام بين الفئات الاجتماعية، بعد تعميم صور مزيفة عبر الواتساب. شائعات استهداف فئة معينة وممتلكاتها انتشرت كالطاعون على مشارف مدينة تحيط بها سحب الدّخان، وأصبح ماثلا منذ تلك اللحظة خطر المحتوى السياسي الأكثر عدوى وفيروسية، ومن المثير للاستغراب أن أحدا حينها لم يرفع صوته لينبّه إلى أن الكأس قد طفحت وأنه يتوجّب فعل شيء حيّال هذا الأمر.

من المؤكد أنه لا ينبغي الاستسلام لإغراءات القراءات المجتمعية أو العنصرية للأحداث، ولكن يمكن أن نلاحظ أن عملية تسميم النقاش العام وبعض محتويات الواتساب قد بدأت منذ 5 أو 6 سنوات في موريتانيا، ومما شجع على ذلك، غيابُ حكامة بديلة تُلاءم التحديات الراهنة إضافة إلى اتساع الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، وما كان الناس يتمتمون به ويتهامسون به خفية أصبحوا اليوم يعبرون عنه بوضوح في الفضاء العام وفي صناديق الاقتراع، وتحليل نتائج الانتخابات لا يدع مجالا للشك في هذا الإطار. يتوق المواطنون بالتأكيد إلى تغيير الممارسات السياسية ولكن نسبة التصويت على أساس الهوية، تلقي بظلال كثيفة من الشك على آفاق الوطن الموحّد. لم يُعلن بعدُ موت الممارسات السياسية التقليدية ، ولكن الوصول إلى السلطة لم يعد صنعة سياسية فحسب، من أسماء الفاعلين الجدد: t Ganbanaaxu Fedde, Neddo Ko Bandum, نداء الوطن،, أنا حرطاني ماني براني. مشكلة هذه التشكيلات أنها نتاج مطالب مبنية على أساس الانتماء إلى فئة أو إثنية أو لغة، وهي انعكاس لفشلنا ، خلال 60 عامًا من عمر وجودنا كدولة ذات سيادة ، في بناء موريتانيا جامعة لأبناءها، تعاملهم على قدم المساواة.

التفكك

إن إحدى أهم الدروس في هذه الانتخابات تتمثل في ضعف صدى القضايا الأمنية، الأثيرة لدى شركائنا الغربيين ، بين الناخبين الموريتانيين، الذين شدّدوا بوضوح على القضايا الاجتماعية والاقتصادية وطالبوا بحقوقهم في العيش في دولة تقوم على أساس المساواة ، وليس مستغربا قوة مشاركة الشباب في الانتخابات ، بما في ذلك وزن تصويتهم. وهذا ما أدركه السياسيون جيدًا. فما وجه المفاجأة إذن في أن نرى الشاب في طليعة المظاهرات العنيفة التي اندلعت حتى قبل إعلان اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات عن النتائج المؤقتة؟ إن المتظاهرين الشباب الذين عبروا عن غضبهم في شوارعنا ليسوا أقنانا في ثورة العبيد والفلاحين ببلاد الغال في روما ، وليسو ثلة من المشاغبين الهمجيين في ملاعب كرة القدم، بل هم أطفالنا ، وأغلبيتهم من المراهقين الذين لٌفظوا خارج المصعد الاجتماعي، وقد راحوا ضحية دناءة وخسة نخبتهم السياسية ويعانون التفكّك الأسري. تم اختراقهم إلى حد ما من قبل العناصر العنيفة ، كما رأينا في أماكن أخرى في ظروف مماثلة نوعا ما ، معظم هؤلاء أرادوا في البداية التعبير عن حالة الملل والسأم: لقد سئموا وعودا لا يتم الوفاء بها في السياسات؛ وتردي ظروفهم المعيشية ؛ وعمليات التفتيش المرتجلة وغير المبررة التي توزع التهم على أساس الملامح والتنميط العنصري. وفيما لا يتوقف الحديث يوميا عن النمو وعن ملايين الدولارات، يبقى نظامنا التعليمي أكثر أنظمة التعليم فشلا في العالم. يكفي أن تلقي نظرة على النتائج السيئة للامتحانات والمسابقات: نحتل المركز 129 من أصل 130 ، وفقا لدراسة نشرها في عام 2017 المنتدى الاقتصادي العالمي لأفريقيا. بين عامي 2013 و 2016 ، كان معدل النجاح في البكالوريا يكافح لكسر حاجز 10 ٪. نقلا عن البنك الدولي، أشارت دراسة أجريت في عام 2012 إلى أن 39 ٪ من الشباب الموريتاني غير متعلمين ولا يعملون ولم يتلقّوا تدريبا أو تكوينا.

يتركز الجزء الأكثر من العاطلين عن العمل في مدينة نواكشوط وحدها بنسبة 51٪ من مجمل العاطلين في البلاد. أما في المناطق الداخلية وفي الأرياف ، فإن الوضع ينذر بالخطر: حيث التسرب المدرسي للأطفال وإفقار عائلاتهم يجعل آلاف الأسر على طريق الهجرة ، لدرجة أنه في عام 2020 ، أي في غضون أقل من سنة ، يتنبأ الأخصائيون بأن عدد سكان المدن سيصبح أكبر من عدد سكان الريف ، حيث بلغ عدد سكان المناطق الحضرية 52.8 ٪ مقارنة بـ 48.3 ٪ في عام 2013.

لقد مرّ أكثر من 30 عامًا ، منذ بداية الثمانينيات ، على دفع جزء كبير من مواطنينا نحو "انسحاب جغرافي وثقافي"، إذا استخدمنا تعبير كريستوف غيلوي ، مؤلف كتاب " No society " الرائع ، الذي تمت الإشارة إليه على نطاق واسع منذ ظهور حركة السترات الصفراء ، وذلك لأهمية التحليلات التي يقدمها عن تلاشي الطبقة الوسطى الفرنسية. إن الشرخ القائم بين المواطنين ، الذين لم يعودوا يتقاسمون القيم المدنية ذاتها ، يؤدي حتما إلى حالة من الارتياب أو حتى عدم الثقة. إن المناطق النائية من نواكشوط التي تشتعل مع كل هزة، كما حدث في الأيام الأخيرة في أحياء السبخة وعرفات والميناء والرياض، تعكس هذا الموقف. لذلك، فإن ساعة الحقيقة قد أزفت لمن يستطيع قراءة مستقبله في كفّه. لأن "المستقبل هو القضية الأكبر، ولكن من أي شيء سيصنع المستقبل؟ هكذا تساءل فيكتور هوغو.

 

 

 

 *الطالب ولد سيد أحمد أمبارك، حاصل على شهادة الدكتوراه، خبير في التنمية المستدامة، والاتصال لأغراض التنمية، موظف دولي.