الاخوان المسلمون: ما أجمل الاعتراف بالخطأ والتكفير عنه | 28 نوفمبر

 

فيديو

الاخوان المسلمون: ما أجمل الاعتراف بالخطأ والتكفير عنه

ثلاثاء, 02/07/2019 - 19:08
د. كمال الهلباوى

قرأت منذ أيام قلائل – كما قرأ آخرون- بيانا من الاخوان المسلمين إلى الأمة حول الواقع الجديد للقضية المصرية. وبقراءة البيان يتضح أنه بيان من المكتب العام للاخوان المسلمين . وذلك يعنى أنه من فصيل من الاخوان بعد التشرذم والتفرق والانشقاقات، التى أصابت الاخوان المسلمين، ليس فى مصر وحدها ولكن للأسف الشديد فى بلاد كثيرة ، ولم يعد ذلك يخفى على الدارس بل والمتابع حتى من الخارج، ولكن بعض أهل الدار قد لا يعلمون ، ومنهم من لايزال يعيش الحلم أو الاحلام المتنوعة، وقد يكون بعضها متعارضا.

وقبل أن أدخل فى قراءتى لذلك البيان، أذكر بما ذكرت من قبل فى عدة مرات فى مصر وخارجها. رحم الله تعالى الامام حسن البنا ، فقد نبهنا فى مواضع كثيرة عن ضرورة المراجعات وتصويب الأخطاء، واختيار القيادة الصالحة والسمع والطاعة فى غير معصية ، مستندا فى ذلك إلى القرأن الكريم، وإلى السنة النبوية والاحاديث الصحيحة، وحياة الصحابة الكرام رضى الله عنهم وأرضاهم، والتجارب التاريخية العديدة .

قرأنا للامام البنا فى أول رسالة المؤتمرالخامس،  هذا النص ) كنت أود أن نظل دائما نعمل ولا نتكلم , وأن نكل للأعمال وحدها الحديث عن  الإخوان وخطوات الإخوان , وكنت أحب أن تتصل خطواتكم اللاحقة بخطواتكم السابقة في هدوء وسكون من غير هذا الفاصل الذي نحدد به جهاد عشر سنوات مضت ، لنستأنف مرحلة أخرى من مراحل  الجهاد الدائب في سبيل تحقيق فكرتنا السامية .

ولكنكم أردتم هذا , وأحببتم أن تسعدونا بهذا الاجتماع الشامل فشكرا لكم , و لا بأس أن ننتهز هذه الفرصة الكريمة فنستعرض نتائجنا , ونراجع فهرس أعمالنا , ونستوثق من مراحل طريقنا ، ونحدد الغاية والوسيلة فتتضح الفكرة المبهمة , و تصحح النظرة الخاطئة , و تعلم الخطوة المجهولة , وتتم الحلقة المفقودة , ويعرف الناس الإخوان المسلمين على حقيقة دعوتهم , من غير لبس ولا غموض .

لا بأس بهذا , ولا بأس بأن يتقدم إلينا من وصلته هذه الدعوة و من سمع أو قرأ هذا البيان , برأيه في غايتنا و وسيلتنا و خطواتنا فنأخذ الصالح من رأيه , و ننزل على الحق من مشورته , فإن الدين النصيحة لله و لرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم).

كما قرأنا فى آخر رسالة التعاليم (فَخُذْ نفسك بشدة بهذه التعاليم, وإلا ففي صفوف القاعدين متسع للكسالى والعابثين. وأعتقد أنك إن عملت بها وجعلتها أمل حياتك وغاية غايتك, كان جزاؤك العزة في الدنيا والخير والرضوان في الآخرة, وأنت منا ونحن منك, وإن إنصرفت عنها وقعدت عن العمل لها فلا صلة بيننا وبينك, وإن تَصدَّرتَ فينا المجالس وحملت أفخم الألقاب وظهرت بيننا بأكبر المظاهر”.).

وفى ضوء ذلك، وفى ضوء بيان الاخوان المسلمين أو المكتب العام للاخوان المسلمين بتاريخ 29 يونيو 2019، إن ما جاء فى هذا البيان هو الاعتراف بالخطأ حيث جاء بالنص ” فإننا قد قمنا بمراجعات داخلية متعددة وقفنا خلالها على أخطاء قد قمنا بها فى مرحلة الثورة ومرحلة الحكم كما وقفنا على أخطاء وقع فيها الحلفاء والمنافسين من مكونات الثورة. وقد تسببت تلك الأخطاء والخلافات فى تمكين الثورة المضادة من زمام الأمور”.

وبغض النظر على الخطأ اللغوى فى كلمة ( والمنافسين) حيث يجب أن تكون ( والمنافسون) لأنها تأخذ حكم الفاعل ، فإن لى عدة ملاحظات على هذا الأعتراف الجميل والصريح من جانب المكتب العام للاخوان المسلمين.

ـ  أولا : أن هذا الاعتراف الصريح جاء بعد ست سنوات ، أهمل الاخوان فيها وقبلها مئات النصائح، بل واتهموا أصحابها حتى بالخيانة والتعاون مع أعداء الوطن، ولم يقدروا المساحة الواسعة والتنافس والاختلاف والتنوع.

جاء هذا الأعتراف متأخراً جداً وبعد أن سالت دماء كثيرة ، وبعد اعتصامات وسجون ومعتقلات وصراعات لاتزال قائمة حتى اليوم، فهل ينهيها هذا الاعتراف، وهل نبدأ حياة جديدة فيها لقاء وحوارات وتسامح ونظرة للمستقبل، توفيرا للامكانات المهدرة والدماء المسالة، أم أن الاستراتيجية المقترحة مع الاعتراف فى آخر البيان نفسه على:” صنع أرضية فكرية مشتركة تعمل على إعادة النضال الثورى الفاعلة من جديد” قد تفسد كل ذلك الاعتراف، وتزيد الصراع إشتعالا!!، وهل هناك مع الاعتراف تحمل شيئ من المسؤولية عن كل ما وقع أم أن الاعتراف دون تحمل المسؤولية وتحميلها للآخرين جميعا؟

وما هو الفرق بين هذه الاستراتيجية وبين استراتيجية الكيانات العديدة التى دعا لها الاخوان أو فصائل منهم وفى مقدمتها ؛ المجلس الثورى المصرى ، وهو كما جاء فى التقديم له : كيان للقوى والأفراد المصريين على إختلاف إتجاهاتهم السياسية وإنتماءاتهم الفكرية ، المتمسكين بمبادئ ثورة 25 يناير والعاملين على تحقيق أهدافها، والمناهضين لكل صور الفساد والاستبداد والانقلاب العسكرى وما ترتب عليه والرافضين لتدخل المؤسسة العسكرية فى السياسة والمؤمنين بالشرعية الدستورية…ألخ.

ـ ثانيا: الجميل أنكم وقفتم على أخطائكم، والأجمل أن تتركوا الحلفاء والمنافسين من مكونات الثورة أن يقفوا بأنفسهم على أخطائهم، لا أن تقدرونها أنتم وحدكم ، وتدارس الأخطاء مع بعض أولى وأكثر نفعا. ومن ثم يدور الحوار والنقاش حول هذه الأخطاء ثم مصارحة الشعب بها تفصيلا. والسؤال هنا الذى يحتاج إلى إجابة واضحة: ماذا فعلتم أو تفعلون للتصحيح داخليا تجاه كل الأخطاء حتى لا تتكرر فى المستقبل ، وحسبى أن هذه الأخطاء وغيرها تحتاج إلى إعادة هيكلة داخلية، وتصويب للأهداف والغايات والوسائل، لا يقوم بها فريق واحد بل الجميع..

ـ ثالثا: ضرورة الأعتذار للشعب المصرى والتوجه له قبل التوجه إلى الشعوب الحرة جميعا كما جاء فى بيانكم” تتوجه جماعة الاخوان المسلمين بالتحية إلى الشعوب الحرة حول العالم”.

ـ رابعا: مع أخطائكم التى وقفتم عليها ، هل كانت 30 يونيو إنقلابا عسكريا أم ثورة مضادة ؟ والفرق هائل بينهما ، وقد جاء التعبيران فى بيانكم. واستراتيجية التصحيح أو حتى المواجهة تختلف فى الحالتين.كما قد تعلمون.

وختاما: أقول إن الأدراك المتأخر للخطأ أفضل من الاستمرار فيه دون إدراك واعتراف وتصحيح . نعم إن الاعتراف بالخطأ فضيلة، والرجوع عنه قوة، وهو من خلق الأقوياء بل من الفروسية والأخلاق الحميدة. وأولى بذلك من يدعو إلى الاسلام قولا وعملا، وخلقا وسلوكا ، وكما دعا الأنبياء والمرسلون(اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) وكذلك (إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) وكذلك (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي).

ولكن السؤال المهم، ما هو موقف الفصائل الأخرى من هذا الأعتراف، وما هو موقفكم واستراتيجيتكم من كسب ثقة الشعب التى فقدها بسبب تلك الأخطاء؟؟؟؟، وكيف يعود الشباب الى الصواب بعد ادراك تلك الاخطاء؟

وبالله التوفيق فى القول والعمل .أخطائهم ، ومعأ

اكاديمي وكاتب مصري