تشهد موريتانيا منذ أزيد من أسبوع سباقا رئاسيا ، يتنافس فيه عدد من المترشحين لهذا الحدث الهام والمفصلي في تاريخ موريتانيا ، باعتباره أول تناوب سلمي للسلطة .
ويسعى كل مترشح من خلال جولاته في الولايات الداخلية والمدن والتجمعات شرح برنامجه الانتخابي في مهرجانات وتجمعات انتخابية من اجل كسب أكبر عدد من الناخبين و نيل ثقتهم يوم الاقتراع المقرر السبت المقبل.
وفي هذا الاطار يقدم برنامج مرشح الاجماع الوطني والذي يتسم بالواقعية ووضوح الرؤية حلولا جذرية لمشاكل الحماية الاجتماعية ،ويلبي هموم المواطن الذي يتوقللعدالة والمساواة ويطمع إلى توزيع الثروة بإنصاف دون تمييز للون أوعرق أو جهة، والقضاء على الفوارق الاجتماعية وبناء موريتانيا متصالحة مع نفسها ، موريتانيا عصرية متقدمة يسودها الأمن والاستقرار ويعمها الرخاء والازدهار وتحترم فيها دولة المؤسسات .
وقد لقي هذا البرنامج تجاوبا كبيرا من فئات عريضة من المجتمع الموريتاني داخل البلاد وخارجها و من المثقفين والسياسيين والوجهاء ، كما ساندته مجموعات كبيرة من الشباب الذينيحلمون بغد أفضل عن طريق الولوج إلى سوق العمل والمساهمة الفعالة في بناء موريتانيا في ظل الاستقرار والتنمية .
لقد ركز برنامج مرشح الاجماع الوطني على مكامكن الخلل في منظومتنا الاجتماعية ووضع الحلول المناسبة لها ، فانتشار الفقر وغياب الرعاية الاجتماعية خاصة لدى الطبقات الأكثر فقراوتهميشا والفئات الأكثر هشاشة في المجتمع أمورفي صميم برنامج المرشح وجعلها من أولوياته.
إنخلق مجتمع مدنيمحمي ضد كافة الأخطار متعلم وواعي لحقوقه وواجباته ومتمدن حقيقية للتنمية يتطلب وضع نظاممحكم للحماية الاجتماعية يأخذ بعين الاعتبار الرفع من مستوى المعيشة للمواطن وخلق الظروف المناسبة لاستفادة كافة فئات الشعب من ثروات البلد وبشكل عادل وشفاف.
إن القانون الموريتاني المقتبس من القانون الفرنسي يولي أهمية كبيرة للحماية الاجتماعية وخصوصا الجانب المتعلق منها بمجال الشؤون الاجتماعية والضمان الاجتماعي والتأمين الصحي.
ففي25نوفمبر 1941 ، "أعلن الجنرال ديكول في خطاب ألقاه في جامعة أكسفورد أن الضمان الاجتماعي والكرامة شرطان أساسيان للسلام".
ليتم إنشاء نظام الضمان الاجتماعي فعليا سنة 1945 ويعهد بإدارته للهيئات والمؤسسات العمومية وكذلك بعض مؤسسات القطاع الخاص سبيلا إلى خدمة المصلحة العامة.
وقد أشار الباحث في الشؤون الاجتماعي السيد حمدي عبد الحميد أحمد مصطفى إلى مجموعة من النقاط التي تعتبر عائقا في وجه الوعي الاجتماعي والثقافي حيث يقول: "هنالك عوائق اجتماعية عديدة تقف أمام التغيير الاجتماعي وتظهر بوضوح لدى المجتمعات التقليدية أكثر منها في المجتمعات الحديثة"، هذا المفهوم استوقفني لانطباقه تماما على مجتمع تقليدي محافظ كالمجتمع الموريتانيفمثلا:
- الثقافة التقليدية الموريتانية:
نجد أن التقليدية السائدة اليوم في موريتانيا لا تساعد على حدوث عملية التغيير الاجتماعي المطلوب؛ لأن مقاومة هذه العادات والتقاليد لأي وافد بغرض ازدهار ورقي مجتمعنا ظل أمرا عصيا، مما أدى إلى سيادة التقاليد والمعتقدات التي تتنافى وهذا المصطلح، مما جعل مجتمعنا يتخلف عن الركب الحضاريوفي هذ الاطار يسعى مرشح الاجماع الوطني من خلال برنامجه بالنهوض بالمجتمع وتحيين النصوص الخاصة بالحماية الاجتماعية وعصرنتها .
وترتكز الثقافة التقليدية الموريتانية على مجموعة من الأمور نذكر منها:
أولا- طبيعية البناء الطبقي: وهنا لا بد للدولة الموريتانية أن تتصالح مع ذاتها وأن تعدل بين كافة المواطنين دون تمييز أو استغلال سياسي، وهذا الأمر لا يتوفر اليوم في موريتانيا، فالطبقية عائق خطير دون البناء وتغيير المجتمع، لأن الدولة الموريتانية رغم سنها لترسانة كبيرة من القوانين يظل الغبن والحيف وتكريس الطبقية والقبلية والفئوية والجهوية أمرا واقعا. وهذه الإشكالية ستكون محاربتها من أولويات مرشحنا كما جاء واضحا وصريحا في برنامجه الانتخابي.
ثانيا - المحافظة على الامتيازات: فعدم التغيير الجذري في المجتمع المتمثل في الغياب التام للدولة و نشر سيطرتها على هذا المجال الحيوي (المجال الاجتماعي)، يرجع إلى مقاومة الأشخاص الذين يخشون على مصالحهم وامتيازاتهم الاقتصادية....
ثالثا - القبلية التي تفرض نفسها في مقاومة كل أمر لا تجد فيه مصلحة اجتماعية أو اقتصادية وإن كان الهدف منه خدمة المصلحة العامة.
رابعا- تركيبة المجتمع الموريتاني:مثلا القبيلة، العشيرة، السن، المركز الاجتماعي، هذه الأمور تجعل من المجتمع غير متجانس ومتضارب المصالح.
وفي هذا المجال يسعى مرشح الاجماع الوطني من خلال برنامجه إلى تجسيد الدور الذي يجب أن تلعبه الحماية الاجتماعية عن طريق وضع استراتيجيات وسياسات وبرامج فعالة تهدف إلى الحد من الفقر والمرض والجهل، وتوفير الإمكانيات الرامية إلى تشغيل العاطلين عن العمل من خلال محاربة ظاهرة البطالة والتي تعتبر عائقا اجتماعيا كبيرا، وصرف مخصصات للأفراد الأكثر فقرا واحتياجا من كبار السن والأرامل والمطلقات والأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة ، وذلك من خلال التزامه بضخ مائتين مليار أوقية قديمة خلال الخمس سنوات القادمة عن طريق انشاء وكالة يعهد اليها بتنفيذ هذ البرنامج الاجتماعي الضخم في تاريخ البلد .
إن مثل هذه السياسات والاستراتيجيات الهادفة إلى حماية الفرد والمجتمع تعتبر أساسا لا غنى عنها في تحقيق التنمية الاجتماعية المنشودة. وفي هذا الإطار نلاحظ أن نظام الحماية الاجتماعية في موريتانيا متأثر بقيم المجتمع الدينية ، وكذا الثقافية التي تحث على المساواة والتكافل والإيثار والتضامن الاجتماعي بين كافة أفراده، سبيلا إلى تحقيق الرفاه الاجتماعي المنشود.
وعلى النقيض من ذلك مثلا في فرنسا ما بعد الحرب، يعتبر الفقر ظاهرة هامشية لا تهدد التماسك الاجتماعي نظرا للنمو الاقتصادي المطرد، وتوسيع تغطية الضمان الاجتماعي.
وحسبالمتتبع للشأن الموريتاني فإن تحديث المنظومة الاجتماعية يعتبر عاملا أساسيا في تنمية ورفاه المجتمع الموريتاني الذي لا غنى عنه في سبيل بناء دولة القانون والمؤسسات..
وللتذكير فإن الحماية الاجتماعية من الجانب المؤسسي مرت بمراحل مختلفة ساهمت في بلورة مجموعة من السياسات المهمة في التحسين من دور الدولة في خدمة أفراد مجتمعها ومن أهم هذه المراحل:
أولا: مرحلة ما بين 1960 – 1977 وهي مرحلة ما بعد الاستقلال و التي شهدت فيها موريتانيا الإرهاصات الأولية لنشأة الدولة الموريتانية المتعلقة ببناء مؤسسات الدولة وبسط السيطرة على كافة التراب الوطني ومواجهة التحديات الاجتماعية ولاقتصادية ورغم التحديات الكبرى التي واجهتها الدولة آنذاك لميثنيها عن مواصلة الاستثمار في الخدمات الاجتماعية.
وفي نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات ظهرت قطاعات جديدة تهتم بالحماية الاجتماعية من أبرزها مفوضية الأمن الغذائي.
كما نلاحظ أن الدولة وبعد اعتماد التجربة الديمقراطية فقد تم إنشاء مفوضية لمحاربة الفقر، وتم العمل على محو الأمية.
إلا أن أهم محور من محاور الحماية الاجتماعية كان إقرار القانون المنظم للضمان الاجتماعي 1967 المنشأ اليوم لما بات يعرف بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وهو مؤسس علي مبدأ الشراكة الوطنية.
وفيالعام 2005 وبموجب القرار 006 الصادر بتاريخ 29 ديسمبر 2005 تم إنشاء نظام صحي في موريتانيا دخل حيز التنفيذ وفتحت أبوابه للمؤمنين 7200، وبدء بموظفي الدولة ووكلاء الدولة والبرلمانيين والمؤسسة العسكرية والمتقاعدين من كافة هذه الفئات.
وفي الأشهر القليلة الماضية تم تعميم التأمين الصحي للراغبين في دفع مشاركات وبالتالي الاستفادة من خدمات الصندوق الوطني للتأمين الصحي لكافة المواطنين الراغبين في هذا التأمين الصحي الاختياري.
ومع ذلك تبقي الاشكالية الأساسية المتعلقة بالحماية الاجتماعية في بلادنا هي إشكالية تسيير هذه المؤسسات والعمل علي تقريبها من المواطن علي كافة التراب الوطني وضخ المال و الكفاءات في مؤسساتها المختلفة.
د. اعل الشيخ الدح.
أستاذ القانون بجامعة نواكشوط