عطوان يكتب: نصر الله يتخلّى عن خطاب التّهدئة السّابق ويتوعّد إسرائيل | 28 نوفمبر

 

فيديو

عطوان يكتب: نصر الله يتخلّى عن خطاب التّهدئة السّابق ويتوعّد إسرائيل

جمعة, 03/05/2019 - 19:43
عبد الباري عطوان

اختلف معنا بعض الأُخوة في “حزب الله” أو اتّفق، فإنّنا لا نتردّد في القول بأنّ الخِطاب الذي أدلى به السيّد حسن نصر الله، زعيم المُقاومة مساء اليوم “في الذكرى الثالثة لاستشهاد السيد مصطفى بدر الدين، زعيم الجناح العسكري للحزب” جاء مُختلفًا عن خطابه السّابق الذي ألقاه قبل بعضة أسابيع في مُناسبةٍ أُخرى “تأسيس كشّافة المهدي)، لأنّه في هذا الخِطاب كان أُمميًّا عربيًّا إسلاميًّا، ليس محكومًا باعتباراتٍ لبنانيّةٍ محليّةٍ مِثل السّابق، وكردٍّ على حالةٍ من “الهلع” تسود خُصوم المُقاومة خوفًا من الحرب ورهانًا على “موسمٍ سياحيٍّ” خليجيّ قد يأتي وقد لا يأتي.

من غير المُستبعد أن يكون السيّد نصر الله قد أدرك هذه المُلاحظة، ويتضح ذلك من خِلال قوله “أن تحمِل هم أمّتك، ومُقدّساتك فهذا أمر مُستغرب، أن تحمِل هُموم فِلسطين فهذا يرتقي إلى مستوى الخِيانة لدى البعض”، وأضاف بِما معناه أنّ هذه الاتّهامات تُلاحق المرء عندما يُبدي اهتمامًا وإحساسًا ومشاعر تُجاه بعض السّاحات مثل سورية والعِراق وفِلسطين واليمن، وهي ساحات لا يُمكن أن ينأى الإنسان بنفسه وعواطِفه وقلبه عنها وما يدور فيها من تطوّرات.

وضع السيّد نصر الله في هذا الخِطاب، وعلى عكس الخِطاب السابق، إصبعه على العصب الحقيقي، عندما رد على جهات إسرائيليّة وأمريكيّة وعربيّة تُبالغ في التّهويل بالحرب لدفع اللّبنانيين لتقديم تنازلات في حدودهم البحريّة والبريّة، وما تحتويه في جوفِها من ثروات نفطيّة وغازيّة، بتحريضهم على التخلّي عن قوّة الرّدع التي يملكونها (المُقاومة) لتجنّب أيّ هُجوم إسرائيلي، وكشف في خطابه ودون أن يُحدّد الجهة، الرّسالة التي حملها مايك بومبيو إلى السّلطات اللبنانيّة أثناء زيارته الأخيرة وجوهرها، تخلّوا عن المُقاومة وصواريخها، وانسوا مزارع شبعا، وإلا عليكُم تحمّل النّتائج عُدوانًا إسرائيليًّا.

***

السيّد نصر الله كزعيم للمُقاومة يجب أن يُدرك أن زعامته لا تنحصر في الضاحية الجنوبيّة، أو جنوب لبنان فقط، وأن تكون قمّة اهتماماته الموسم السياحي، فهذا الرجل في اعتقاد الكثيرين، ونحنُ منهم، يقود مِحورًا يتصدّى لمُؤامرةٍ ثُلاثيّةٍ أمريكيّةٍ إسرائيليّةٍ عربيّةٍ، تُريد تدمير الأمّتين العربيّة والإسلاميّة، ووضعها تحت الانتداب الإسرائيلي، مع تفهّمنا العميق لتعقيدات الخريطة السياسيّة والطائفيّة الداخليّة اللبنانيّة، وطبيعة تحالفاتها.

خطاب اليوم كان تعبويًا يتضمّن رسمًا لخريطة المِنطقة، واحتمالات الحرب والسّلام فيها، ولهذا كان مضمونه موضِع اهتمام الملايين من العرب والمُسلمين، من يقِف في خندق الكرامة والمُقاومة، أو في الخندق الاستعماري المُقابل، وليس للبنانيين فقط، في هذا الوقت الذي تقِف فيه المِنطقة على حافّة الحرب، بل أكثر من حرب.

نعم.. زمن إنهاء إسرائيل للحرب بسُرعةٍ انتهى.. واحتلال لبنان بفرقةٍ موسيقيّةٍ انتهى أيضًا، ومزارع شبعا أراضٍ لبنانيّة مُحتلّة، وكذلك القُرى السّبع، وكُل أرض فِلسطين وهضبة الجولان والمُقاومة مُلزمة بتحرير جميع هذه الأراضي، لبنانيّةً كانت أم فِلسطينيّةً، وتملك القُدرة للدّخول إلى الجليل وشمال فِلسطين المُحتلّة، وأن الفرق والألوية الإسرائيليّة التي تُفكّر بالدّخول إلى الأراضي اللبنانيُة ستُدمّر بالكامل وأمام عدسات تلفزة العالم بأسرِه.

السيٍد نصر الله في رأينا، يجب أن يُطمئن الأمّتين العربيّة والإسلاميّة بأنّ محور المُقاومة قادرٌ على التصدّي لأيّ عدوانٍ إسرائيليٍّ، والقِتال برجولةٍ وشجاعةٍ ضدّه في أيّ حرب، مثلَما فعل عاميّ 2000 و2006، وليس طمأنة بعض اللبنانيين المُتآمرين مع هذا العدو، والذين يقِفون في خندقه، ويتنصّلون من لُبنانيّة مزارع شبعا، وعلى استعدادٍ للتّنازل عن ثرَوات لبنان الغازيّة والنفطيّة، أو مُعظمها بإملاءاتٍ أمريكيّةٍ وترهيبٍ إسرائيليٍّ، تحت تسمياتٍ مُتعدّدةٍ تُبرّر الرّضوخ والاستِسلام.

يا سيّد نصر الله هؤلاء لن يستمعوا لكلامك وتطميناتك هذه، ولن يرضوا عنك مهما فعلت، ومهما تحلّيت بكُل أنواع الدبلوماسيّة، وليكُن ذلك واضحًا، وابقَ كما أنت، وحافظ على الخِطاب نفسه، دون تغيير حرفٍ واحدٍ فيه، ودعهم يقولون ما شاءوا، وكلامهم لن يُغيّر ولا يُبدّل.

لقد أصبت عندما أشرت في الخطاب إلى أنّ دونالد ترامب يُنفّذ وعوده الانتخابيّة الواحدة تِلو الأخرى، فقد نقل السفارة إلى القدس المحتلة، واعترف بتهويد الجولان، وانسحب من الاتّفاق النوويّ، وحَلْب السعوديّة ودول الخليج، وعلى وشكِ الإعلان عن “صفقة القرن” التي يُريدها أن تدفن القضيّة الفِلسطينيّة، والقادم الاستيلاء على احتياطات النّفط العراقيّ ووسائل إنتاجه لا يقل خُطورةً عن كُل ما تقدّم، وهذا الاستِكبار يجب أن يُواجه بالطّرق كافّة خاصّةً أنّك ذكرت البداية المُتواضعة لإمكانيّات رجال المُقاومة في بداية الخِطاب.

ترامب قال إنّه أرسل 150 ألف جندي إلى العراق، وخسِر في هذه الحرب 7 تريليونات دولار، وأربعة آلاف جندي وأكثر من 30 ألف جريح، وتوعّد بوضع احتياطات النّفط العراقيّ تحت هيمنته المُباشرة، وربّما يُفيد أن نُعيد التّذكير بأنّ وزارة النّفط العِراقيّة هي أوّل من استولت عليها القوّات الأمريكيّة بعد احتِلالها بغداد، وصادرت جميع الوثائق فيها، ومنعت العِراقيين، بما فيها حُلفاؤهم من دخولها في إطار المُخطّط المذكور آنفًا.

“الدولة الإسلاميّة” أو (داعش)، هُزِمَت ولكنّها لم تنته، وما زالت تحظى بالحماية، وأدوارها الجديدة ما زالت في وضع الرّسم والإعداد، واحتِقار ترامب للعرب والمُسلمين بات صَلاته اليوميّة، والعمود الفقري لجميع خطبه الانتخابيّة، وتطاول الأخير على القِيادة السعوديّة، الذي ترفُضه ونرفُضه، وكان عُنوانًا للإهانة، والابتزاز، والوقاحة، ولا نعتقِد أنّه سيتوقّف طالما لا يجِد ردًّا مُفعمًا قويًّا شُجاعًا يعكِس قيَمنا العربيّة الإسلاميّة، بعدم الصّمت على الباطل.

***

المُقاومة اللبنانيّة والفِلسطينيّة أذلّت الإسرائيليين، ألغت فاعليّة سِلاحهم الجويّ، مثلَما ألغت فاعليّة سلاحهم البحريّ، واسألوا صواريخ “لاخونت” التي دمّرت الفرقاطة العسكريّة الإسرائيليّة في حرب تمّوز (يوليو) عام 2006 أمام سواحل بيروت، وقوّتها الصاروخيّة “الدّقيقة التي تحمِل رؤوسًا مُتفجّرة وزنها 400 كم ستصِل إلى تل ابيب ومفاعل ديمونا، وإيلات، في أقصى جنوب فِلسطين المحتلة، اذا اشتعل فتيل الحرب، وهو سيشتعل في يومٍ ماـ وربّما أقرب ممّا يتصوّره الكثيرون.

من يحتاج إلى طمأنةٍ يا سيّد المقاومة ليس أولئك المُرتجفين الذين تخلّوا عن العُروبة وقيمها، وإنّما الملايين التي تُراهن على المُقاومة وسلاحها وقِياداتها وسوابِقها في الانتصار، ومواقِف العزّة والكرامة، في وقتٍ يستعدّ فيه العدو للحرب، وتقِف المِنطقة على أعتابها.. والجميع ينتظر عود الثّقاب أو المُفجّر.. واللُه أعلم.