فرنسا.. الاسلام والبوركيني: فهم خاطيء.. واحكام مسبقة.. ومستقبل غامض | 28 نوفمبر

فرنسا.. الاسلام والبوركيني: فهم خاطيء.. واحكام مسبقة.. ومستقبل غامض

ثلاثاء, 30/08/2016 - 19:24
 فرنسا.. الاسلام والبوركيني: فهم خاطيء.. واحكام مسبقة.. ومستقبل غامض

حمَدي جوارا

يبدو أنَّ البوركيني لم يكن له مشكلة منذ اختراعه من قبل امرأة استرالية لكي تقدِّم حلاًّ للمسلمات اللّواتي يُرِدن الذهاب للسباحة في البحر ولكن يَمنعهن وجود لباس يتوافق مع زيّهن الشرعي .

ومنذ 2004م وقد أقبلت المسلمات على شراء هذه الملابس ويرتَدْن الشواطئ من ذاك الى الآن ،ولكن يبدو أن الظرف السياسي الفرنسي الحالي غيّر نظرة الفرنسيين الى هذا الموضوع بصورة عكسية منذ أحداث شاحنة نيس التي حدثت منذ شهرين تقريبا.

 

 

لماذا كل هذا العداءوكيف نفسّر؟؟

 

 

لكن قبل مواصلة تحليل الموضوع يجب أن نذكِّر القراء أن فرنسا ضربت في عمقها عدة مرات من قبل داعش وآخرها كانت شاحنة نيس والتي راح ضحيتها ما يصل ل 85 شخص لقُوا حتْفهم ، والتي اعتبرت تطورا خطيرا في نوعية العمليات حيث كان عنصر المفاجئة هائلاً من خلال ارتكاب الجريمة عبر شاحنة أصابت الذهنية الفرنسية في مقتل ..

 وقبل ذلك أحداث باتكلان في باريس وقبله أيضا أحداث شارلي ابيدو كما لا يخفى عليكم ذلك .

 

 

في هذا الجوّ المشحون بالامتعاض والتذمُّر، وكذلك المزاج الفرنسي العام من أنّ المسلمين من قاموا بها أو من ينتسبون إلى الإسلام في حين أن المسلمين يشعرون بالذنب تجاه ما يحدث وما حدث من قبل هؤلاء الشباب والجميع يعلم أن هؤلاء الشباب لم يخرجوا من المساجد او المصليات الصغيرة إنما خرجوا من السجون الفرنسية وتمّ تكوينهم هناك مما يعني أن هناك مشكلة حقيقية في هذه المنظومة التي ينبغي أن يكون اهتمام الساسة والجميع ومناقشة الثغرة الأمنية داخل السجون .

 

 

اليمين واليمين المتطرف واستغلال الوضع

 

 

في حين أن اليمين واليمين المتطرف استغلاَّ الوضع سياسيا منذ أحداث شارلي ابيدو وبدأت بالفعل تكسب الأرضية السياسية التي تشرعن لها مواقفها ورؤاها التي تميل إلى التطرف الأعمى إلى حدٍّ بعيد ..

و ذلك التطور في كافة الانتخابات التي تلت الانتخابات الرئاسية والتي لم يحاول الحزب الحاكم تلافي الخسارة او احتمالها بعد شهور قادمة للأسف …

 

 

الوزير الأول الذي دائما ينتقد الاسلام مع كونه يساريا

 

 

وهذا جعل رجل كالوزير الأول الفرنسي / مانويل فالس يدلي بتصريحات تجنح نحو هذا المنحنى علما ان الرجل متهم في الأساس أنه يعبّر عن موقف اليمين في غير ما موقف ، وهي ليست مواقف اليسار الاشتراكي ،وهو بدوره يتعلَّل بأن على فرنسا أن تغير موقفها تجاه بعض قضايا الإسلام ويدعو للاندماج واحترام قيم الجمهورية كما يدعو لاستئصال السلفية وطبعا يقصد بذلك حقيقة ممثلي الجمعيات والمنظمات التي ربما تنضوي تحت اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا … طبعا هذا موقفه وهو معروف لدى العامة والخاصة وإن كان يحاول أن يستدرك بين الفينة والفينة بعض هذه التصريحات عبر إطلاق كلمات ربما للحفاظ على الأصوات التي انتخبته حين كان عمدة لمقاطعة 91 ايفري إحدى ضواحي باريس المليئة بالمسلمين ..

 

 

السباق الرئاسي القادم وراء هذه الزوبعة ..

 

 

بالإضافة إلى هذه الحقيقة فإن الانتخابات الرئاسية على الأبواب وبالتالي فإن الساسةَ يبحثون عن عَجينة سياسية يمكن وضعها على المطبخ كي يكون منطلقا لحوار شامل بحثا عن حلّ للمشاكل السياسية والاجتماعية المتفاقمة وبالتالي فإن إعادة موضوع الإسلام مجدّدًا من اليمين وخاصة مع ساركوزي الذي بدأ حملته بالأمس في حزبه وحديثه عن إصداره قرارا بمنع البوركيني والحجاب في المؤسسات المختلفة وداخل الجامعة أيضا واستغلاله الوضع لصالحه كل ذلك مما يثير الاستغراب بل وينبغي الوقوف عنده ، وان كان رهانا فيما قد لا يكون ناجحا حيث انه خسر منذ 5 سنوات لما راهن على استقطاب اليمين المتطرف ولكن مع ذلك كانت الخسارة مدوّية لمّا راهن على جعل الاسلام والهوية الوطنية واللحم الحلال وحجاب الامهات اللواتي يستقبلن أولادهن في المساء من دور الدراسة الى غير ذلك من الموضوعات التي أثيرت والتي ستثار مجدّدا في الأيام المقبلة ، ويبدو أن يتقن هذا الموضوع جيدا لذا يريد إشغال الناس به فقط .

 

 

 

 

الحزب الحاكم أو اليسار انقسم على نفسه ..

وإذا كان اليمين بهذا الشكل في خطِّه السياسي ونظرته العامة فإن اليسار أيضا مختلف على نفسه حيث إن الرئيس وحسب الكثير لم يكن في مستوى الطموح والتحدي خلال فترته الرئاسية التي أوشكت على النهاية ،والامتعاض الحاصل لديهم وخاصة الذين ممن ينتمون أو يدينون بالاشتراكية وذلك للتهور السياسي الذي دفع رئيس الوزراء قانونين بالقوة قد في البرلمان والذي كان آخرها قانون العمل الجديد …وممَّا زاد الطين بلّة تصريحاته الجديدة حول البوركيني ، هذا الرجل أدخل حزبه في متاهات سياسية لم ولن يربح هو بها ولا حزبه في الانتخابات القادمة ما لم يتمّ تغيير دفة القطار السياسي إن لم يكن تأخّر بالفعل .

 

 

ولهذا فقد سمعنا انشقاقات داخل حزب /هولاند عليه حيث ان الكثير لم تعجبهم تصرفات وزيره الأول وأعلن إلى شخصان ترشحهم للرئاسة كانوا وزراء سابقين مع فرانسوا هولاند احتجاجا على سياسة وزيره الأول .

 

 

 

 

حقيقة  نقرّها ونعترف بها ..

 

 

 

 

لنعد لموضوع البوركيني وقبل ذلك يجب أن نعترف أن فرنسا هي الدولة الأوربية الوحيدة التي استوعبت أكثر من غيرها الكثير من المهاجرين من بلدان إسلامية كثيرة وغير إسلامية  رغم اعترافي أن حالهم فيها ليست الأفضل وهذه الهجرة هي التي جعلت الفرنسيين يقلقون ويشعرون أن المهاجرين جاءوا للتضييق على حياتهم بينما معترضوهم يرون أن فرنسا تسع الجميع . وهذا الذي جعل غالبية السياسيين يتجه الى طرح موضوعات الهجرة والاسلام والهوية وغيرها ..

 

 

فرنسا تعتبر نفسها أمّ الدنيا وليست مصر ..

كما ينبغي أن نفهم أنّ فرنسا هي ما زالت تشعر أنها هي أم الحضارة الغربية ورغم أن هذه الأمومة انتقلت إلى دول أخرى هي التي تدير دفة العالم اليوم سياسيًّا واقتصاديًّا إلا الشعور الدائم بحمرة الخجل السياسية التي جعلت تتدحرج إلى الوراء وتنزلق نحو المجهول ، ففي قناعات الفرنسيين أو في وجدانهم الداخلي أنهم من فجّروا الحضارة الغربية حيث حصلت فيها الثورات وترسّخت فيها العلمانية لذا فهي لا بدّ لها أن تقاوم كلّ ما من شأنها أن يحدّ من هذه الحقيقة بمعنى هي تعتبر نفسها أنّها هي أمّ الدنيا وليست مصر ولا غيرها ..

 

 

 

 

الفرنسيّون ليسوا سواء ..

 

 

 

 

كما ينبغي أن نُقِرَّ الفرنسيين ليسوا كلهم من يؤيدون هكذا تصريحات وهكذا حملات تشويهية ضدّ الاسلام، وقد شاهدنا حين منعت امرأة في شاطئ وجردت من حجابها وتمّ تغريمها، شهد الموقف  ردود أفعال إيجابية في القرب ممن قاموا بمساندة المرأة التي أُجْبِرت على خلع حجابها ، أضف إلى السياسيين والصحفيين والاعلاميين الذين وقفوا ضد الموجة واستنكروا الحملة ضد البوركيني بما في ذلك وزيرة التعليم الفرنسية المغربية الأصل / نجاة فالو بلقاسم ووزيرة الصحة /مارسيل تورين ،بالإضافة إلى نوّاب كُثْر داخل الحزب الحاكم .

 

 

والموقف الذي صدر البارحة كانت القشة التي قصمت ظهر من ساروا وراء الموجة في حزب ساركوزي وأعني موقف عمد مدينة بوردو والذي يتجاوز ساركوزي في حزب ساركوزي وفق بعض استطلاعات الرأي السيد/ آلين جيبي والذي قال بأنه سيرفض اي قرار يتخذ كذريعة للضغط على طائفة بعينها إبان الأحداث الإرهابية هذا الموقف تطور في الأيديولوجيا السياسي لدى طائفة من حزب ساركوزي وهم هؤلاء يسعون لعدم تكرار الخطاب الذي صدَّره ساركوزي في الإنتخابات الأخيرة والتي كانت سببا في فشله أمام فرانسوا هولاند ..

 

 

ماذا نستنتجه من كلّ ما سبق ..

 

 

 

 

ويمكن استخلاص العبر التالية عن هذا الموضوع :

 

 

#عمق الآثار التي سبّبته الأحداث الإرهابية في الذهنية الفرنسية وهي ما جعلتها تكره كل ما مِن شأنه له علاقة بالإسلام .

 

 

#كثيرة هي المساحة التي سيشغلها الإسلام في مسار النقاش السياسي الدائر إلى حين الانتخابات .

 

 

#الوزير الأول الفرنسي ارتكب أخطاء كبيرة كان ينبغي تحاشيها والتي ستكون له تداعيات في حال لم يفز الحزب الحاكم سيكون هو المسئول لأنه كما يبدو أنه يدير الدولة بمنطلقات يمينية متطرفة جدا …

.

#تطوّرٌ جديد للمجلس الإسلامي الفرنسي وبعض المنظمات الإسلامية في قيامها بواجبها ورفض هذه المناوشات مما جعل وزير الداخلية يدعو الجميع للهدوء والتعامل مع الموضوع بعقلانية .

# ساركوزي سينطلق في حملته الانتخابية مع اليمين المتطرف لإثارة الإسلام كمعضلة أولى لمشاكل فرنسا ولذا سنشهد ضغطا إعلاميا كبيرا ويمكن للمسلمين أن يُعِدُّوا أنفسهم لذلك طبعا ..

 

 

#داعش ستستغلّ حادثة البوركيني كذريعة من أجل جلب المزيد من الأعضاء الأوروبيين رغم عدم موافقتها طبعا لِلُبْس البوركيني ..

.

#المواجهة الإعلامية هي الطريقة المثلى في مثل هذه الأمور ولذا جاء الضغط الإعلامي من الخارج مما أجبرت الفضائيات الفرنسية على تناول الموضوع والاعتراض العالمي على مضض فهذا الجانب مهم جدا ومن هنا يجب التنويه بالمظاهرات الرّمزية التي قامت بها فتيات في لندن أمام السفارة الفرنسية ..

 

 

#يجب محاربة التطرف من كل الجوانب ،التطرف العلماني المتمثل في العداء السافر لكل ما هو إسلامي .. ومحاربة التطرف الديني لدى طائفة من المسلمين مما قد يعتبر تطرفا أو تعديا على الحريات الشخصية كمنع قيادة المرأة للسيارة أو حتى فرض الحجاب بقوّة الدولة دون أي قناعات من شأنه أن تجعل النساء يخلعن حجابهن بعد تركهنّ بلادهن ..

 

 

#رغم كل ما حدث فإنّ فرنسا لها جانب مشرق أن الأغلبية من الفرنسيين يتضامنون مع المسلمين وأصبح هناك مزاج عام بالتبرّم من الإعلام الفرنسي وهو واضح جدا في مواقع التواصل الاجتماعي وأكد ذلك الفرح العارم الذي رأينا بعد قرار المجلس الدستوري الفرنسي والذي يسميه البعض بمجلس الدولة وهو أعلى سلطة قضائية في فرنسا .

 

 

 

 

وأخيرا ،

هذا رصد بسيط لكي نفهم الفيلم من جميع جوانبه حتى نقف على حقيقة ما حدث وما سيحدث في الأيام المقبلة وخاصة أن أي موضوع سيتم طرحه حول الإسلام سيتمّ تناوله في الاعلام ،ولكن على المسلمين أن يكونوا مستعدين للمواجهة الإعلامية وهذا الذي حدث هو صفعة كبيرة في وجع هؤلاء روّجوا وجنّدوا هذا الموضوع ، وفي انتظار قضية مفاجئة أخرى ..

 أريد آراءكم  وتعليقاتكم لاثراء الموضوع … وشُكر ًا لحِرصِكم مُقدَّمًا …

 

 

كاتب وباحث في الشأن الفرنسي

باريس – فرنسا

sadjidah11@yahoo.fr