شهادة للتاريخ: / عبد الرحمن ولد ميني | 28 نوفمبر

شهادة للتاريخ: / عبد الرحمن ولد ميني

خميس, 07/04/2016 - 00:12

تابعت حلاقات برنامج الجزيرة "شاهد علي العصر" مع الأخ صالح ولد حننا، الذي، إن لم أكن أكثر منه اطلاعا علي المحطات التي تحدث عنها في "شهاداته"، خاصة تلك المتعلقة بتحضيرات الثامن يونيو 2003 وما بعده، حيث كنت حاضرا وفاعلا في هذه المحطات بالذات، التي شهدها هو وتحدث عنها، إذا، لن أكلف نفسي عناء البحث عن الحكم علي ما ورد في شهاداته، لأن شهود تلك المراحل والحمد لله غالبيتهم بالمئات أحياء مثلي و"أهل موريتانيا متعارفين"، كما يقول المثل. 

 مع قناعتي الراسخة بأن الظرف الموريتاني الراهن، غير مناسب للسرد التاريخي الإنشائي الترفيهي عن أحداث تاريخية ما زالت أثارها ووقائعها ومسبباتها ومآسيها قائمة، خاصة من طرف الأخ صالح، كعنصر من جماعة ضحت من أجل وطنها موريتانيا وحديثه اليوم في هذا البرنامج، أقل ما يقال عنه، أنه مشاغلة للرأي العام الوطني والدولي عما تشهده موريتانيا اليوم من تدهور سياسي واقتصادي واجتماعي بسبب سياسات نظام يحكمها، بممارسات اسوأ بكثير من ممارسات نظام ولد الطائع وذلك بأحداث اصبحت من حكم الماضي والخوض في تفاصيلها، يسيء للرمزية العامة لمشروع كلف أصحابه الكثير والكثير، كما يمكن أن يخلق مشاكل بين رفاق الدرب. والتاريخ كفيل بكشف خفايا هذه الأحداث يوما ما، لان التاريخ لا ينمحي.

 ولذلك كان الأحرى بالأخ صالح ولد حننا، أن يكرس الوقت الذي خصصه لهذا البرنامج لحديث ينفع الناس ويمكث في الأرض.

 ولولا حديثه في حلقته التاسعة، والذي تنكر فيه لدور المحامين الموريتانيين الشرفاء في الدفاع عنا في محكمة واد الناقة، ما كنت علقت علي مواضيع هذه "الشهادات"، لأن الحديث عن كل واحدة منها يحتاج إلي حلقة كاملة لتبيان الحقائق حول تلك الأحداث بدل الحديث عنها لأغراض استهلاكية أو لحوائج في النفوس. 

 ومما لا شك فيه أن التاريخ سيكتب يوما ما، لا محالة من طرف احد الباحثين العلميين المتجردين أو من طرف أحد صانعيه، وهم كثر، بدوافع نبيلة ما زالوا يومنون بها ومن منظورها سيكتبُ ذلك التاريخ للموريتانيين ولجميع عشاق الحرية، لا من منظور الأنا المتضخم.
لقد دهشت وأنا أتابع حديث صالح عن دور المحامين في محكمة واد الناقة واختصار تضحياتهم الكبيرة في ثلاثة منهم، مع احترامي وتقديري لهؤلاء وعرفاني لهم بالجميل من بين العشرات، كما صدمت بعدم معرفته لاسم عملاق من هؤلاء وهو ابراهيم ولد أبتي، الذي صيته ملأ الدنيا بدفاعه عن المظلومين في انحاء العالم، مع أن دفاعه عن صالح بالذات، كلفه ذلك جهدا لم يتكلفه في الدفاع عن غيره من المتهمين.

 وفي هذا الإطار وتسليطا للضوء علي دور المحامين في مؤازرة جميع المشمولين في ملف محاكمة واد الناقة، أكتفي بنشر شهادة في حق هؤلاء، كنت قد أدليت بها أمام المشاركين في المؤتمر الدولي لهيئات المحامين، الذي نظمته هيئة سلك المحامين الموريتانية سنة 2011 في نواكشوط.
وهذا نص الشهادة:

 بسم الله الرحمن الرحيم

 إخواني أخواتي،

 يسرني أن أقف هنا احترما وتقديرا لهذا الجمع الكريم من المدافعين عن الحرية، أن أقف بين يدي الملجأ لكل ضحايا الطغيان، أن أقف بين يدي أصحاب القلعة التي صمدت علي الدوام أمام أهواء المستبدين، أعني هيئة سلك المحامين الموريتانيين الذين ينطبق عليهم قول الشاعر:
" بطيءٌ عنك ما استغنيت عنه ... وطلاَّعٌ عليك مع الخطوب".

 
 ربما لا يعرف البعض او يتناسى البعض الآخر هذا الجمع الكريم في أوقات الرخاء ولكنه حتما سيعرفه أو يتذكره في لحظات المحنة، في لحظات التصدي للحاكم المستبد، في الأوقات التي تهدر فيه إنسانيته تحت سياط التعذيب وتتناهشه أنياب الوحوش البشرية في أقبية أجهزة الأمن وتتقاذفه أروقة العدالة الضيقة علي الحالمين بالعدل والحرية و المساواة، في هذه الأوقات الحرجة، يقف هؤلاء بنيانا مرصوصا للدفاع طواعية عن المظلومين، يبذلون في سبيل ذلك الغالي والنفيس يتناسون حياتهم الشخصية ومصالحهم الخاصة، يهجرون اسرهم ليتحولوا إلي أسود قوية في وجه الجلاد وإلي دروع تحمي المظلومين والمضطهدين، لا تأخذهم في ذلك لومة لائم ولا يطمحون من وراء ذلك إلي شربة ماء ولا حتى إلي كلمة شكر ممن يدافعون عنهم بغض النظر عن أعراقهم واتجاهاتهم ومشاربهم وقد شهدت بما عشت وليس من رأي كمن سمع.

 نعم، لقد شهدت، لأنني كنت من ضمن المشمولين في محاكمة وأد الناقة، بتهمة العمل مرارا علي قلب نظام ولد الطائع، وهي تهمة لم أنكرها يوما ولم أتراجع عنها وأعتزبها وخلال جميع مراحلها تحملت كل مسؤولياتي كاملة غير منقوصة.

 وخلال هذه المحاكمة آزرنا جميع أعضاء هيئة سلك المحامين الموريتانيين بكل معاني المآزرة، لقد ملأوا لنا - ونحن في عزلة تامة عن العالم الخارجي بأسره بما في ذلك الأهل والأصدقاء والاحبة - كل هذا الفراغ الكبير بحيث لم يقبلوا أن يسكن اليأس أو الإحباط نفوس من أثر عليهم فراق الأهل وأصناف التعذيب والتنكيل والوعيد بالإعدام، الذي ستحكم به المحكمة.

 لقد شكلت محاكمة واد الناقة مختبرا حقيقيا تاريخيا تفاعلت فيه خبرة المحامين الطويلة و كفاءاتهم العالية وتجاربهم الثرية حيث استطاعوا خلق مناخ ملائم سواء علي مستوي القوانين الوضعية أو الشريعة الاسلامية، كلما اقتضت الحاجة إلي ذلك، للضغط في آن واحد علي النظام و علي رئيس المحكمة صاحب التكوين التقليدي. 

 وفي هذا الإطار تمكن لفيف المحامين من جلب محامين أجانب- رغم كل العراقيل التي قام بها النظام - ليكونوا شهودا علي الخروقات المسجلة من حيث الشكل والمضمون علي تشكلة المحكمة. وكان لحضور هؤلاء المحامين الأجانب دورا كبيرا في لجم النظام عن المضي في تسيير المحاكمة حسب هواه.

 لقد تجاوز المحامون دورهم التقليدي في الدفاع عن موكليهم، الي دور الأهل والأصدقاء والأحبة والمونس في الوحشة وإلي حلقة تواصل بين السجناء فيما بينهم في زنزاناتهم الانفرادية والتواصل مع العالم الخارجي والتنسيق بين مختلف أقوال المشمولين في الملف وتأطير من يحتاج منهم لذلك.
وأخص بالذكر هنا ، الأساتذة:

-ذ. العميد يعقوب ديالو
-ذ. إبراهيم ولد أبتي
-ذ. محمدن ولد اشدو،
-ذ. المختار ولد ليلي، 
-ذ. يرب ولد أحمد صالح، 
-ذ. أحمد ولد يركيت،
-ذ. محمد احمد حاج سيدي،
-ذ. أحمد سالم ولد الكاه،
-ذ. عبدالله ولد الداه،
-ذ. محمد محمود أمات،
-ذ. فاتماتا امباي،
-ذ. أحمد ولد اعل،
-عبد القادر ولد محمد ساعيد،
-ذ. سيدى ولد باتي،
-ذ. سيد المختار ولد سيدي،
. -ذ. عبد الله ولد الحبيب،
-ذ. العميد مالعينين،
-ذ. سيد محمد ولد محم،
-ذ. إبراهيم ولد الد،
-ذ. محمدالمصطفي ولد ديدي،
-ذ. الزعيم ولد همد فال،
-ذ. سيد محمد ولد ملاي،
-ذ. الحسن ولد المختار،
-ذ. احماه الله ولد الركاد،
-ذ. محمد المختار ولد التقي،
-ذ. محمد سالم ولد الميدان،
-ذ. اكبرو ولد محمد،
-ذ. اجودن ولد الحضرامي،
-ذ. عيسي ولد محمد،
-ذ. محمد ولد ملالى ولد ودادي،
-ذ. يحي ولد عبدو،
-ذ. العميد أحمد سالم ولد بحريني،
-ذ. غالي ولد محمود،
-ذ. محمد الأمين ولد أعمر،
-ذ. أحمد باب ولد السباعي،
ذ. محمد ولد لقظف،
ذ. محمد ولد أحمد مسكه،
ذ. يسلم ولد يحيي،
ذ. محمد سدين ولد محمد سالم،
ذ. كتاب ولد المختار،
ذ. الشيخ ولد باهداه،
ذ. يحيي ولد طالب معزوز،
ذ. الشيخ أحمد ولد لمام،
ذ. النعمه ولد أحمد زيدان.

 أعود وأكرر تحيتي وتقديري وعرفاني بالجميل لهؤلاء جميعا، أصالة عن نفسي ونيابة عن جميع زملائي في المحاكمة، الاحياء منهم، أطال الله أعمارهم وغفر الله ورحم الأموات منهم.
كما أعتذر لمن منهم خانتني ذاكرتي ولم اسجل اسمه ضمن هذه اللائحة، مع أن حبهم في قلبي محفوظ ودفاعهم عنا محفور في ذاكرتي.

 أتمني لهم جميعا موفور الصحة والسعادة وتحقيق آمالنا في بناء دولة قوية يسودها العدل والمساواة بين الجميع.

نواكشوط بتاريخ: 05 ابريل 2016