بنت سيدي عالي: تكتب حول مفهوم الصداقة | 28 نوفمبر

بنت سيدي عالي: تكتب حول مفهوم الصداقة

سبت, 09/11/2019 - 19:39
لالة بنت سيدي عالي

يحدث كثيرا أن أسمع أحدهم يتحدث بأسى عن "صديق" تغير عليه ، لم يعد يلتقي به ، وحتى وإن التقى به فإن حديثهم يصبح باردا ، خاليا من كل أشكال الحماس المفترض بينهم ...
كثيرا ما أرى إحداهن يتغير لون وجهها عند رؤية إتصال من "صديقتها "وعندما أستفسر عن سبب ذالك الإحساس السيء والإنزعاج ممن يفترض أن تكون مصدرا لسعادتها ، تسرد لي سيلا من الأغلاط لصديقتها ، والكثير من حكايات التنمر في حقها ، تنمر يكون غالبا مغلفا بغطاء المزاح الطبيعي بين" الأصدقاء " أو "الجوقة " كما يقولون ! 
الخطأ هنا يقع فقط في  تصنيفهم ، و في تسمية الأشياء بغير أسماءها ! 
وضعت كلمة صديق بين ظفرين في بداية حديثي تحفظا على تعريف الكلمة ومعناها ، فليس كل من جمعنا به ظرفا معينا كفترة دراسة ، زمالة عمل ، جيرة أو حتى قرابة يدخل في تلك الخانة ، هذا طبعا مع وجود استثناءات فأحيانا تستمر العلاقة وتتطور الى صحبة طيبة رغم انتهاء الظرف. 
وحتى لا نتأثر من تصرفات من وضعناهم في تلك الخانة ، يجب علينا معرفة مراتب تلك العلاقة الإنسانية العظيمة و فهم تلك التصنيفات جيدا 
في حياة كل منا ، ﻣﻌﺎﺭﻑ ﻭ ﺯﻣﻼﺀ و ﺃصدقاء .
فلكل منهم خصائص تميزه عن الآخر ، ودور محدد 
فمثلا لا يجب أن ننتظر من الزملاء أن يسهروا معنا في المستشفى في حال تعرضنا لوعكة صحية ولا نعتب عليهم في حال عدم سؤالهم عنا ، ولا أن ننتظر من أحد المعارف السطحيين أن يتفهم المزاج السيء الذي نمر به و يغفر لنا ما ترتب على ذالك من سلوك انطوائي ، غير اجتماعي في حقه .
كتب الكثيرون عن تعريف الصداقة ، ومن أجمل وأبلغ ما قرأت عنها قول ﺍﻟﺮﺍﻏﺐ أنها" ﺻﺪﻕ ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺩﺓ" ﻭﻗول ابن ﻣﻨﻈﻮﺭ أنها ﺻﺪﻕ ﺍﻟﻨﺼﻴﺤﺔ ﻭﺍﻹﺧﺎﺀ
ﻭالتعريف الجميل لابن ﻫﻼﻝ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻱ في قوله أنها ﺍﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻀﻤﺎﺋﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻮﺩﺓ.
ذالك الاتفاق الصادق الذي تنبثق عنه أعظم المبادىء في العلاقات الإنسانية من مشاركة في الاهتمامات ، مساندة ، مؤازرة ، تفهم وحفظ للأسرار....
الصديق الحقيقي هو من يحبك ويتقبل عيوبك ، هو من يحترم قراراتك ، هو من لا يتأثر بحكم الآخرين عليك ، " كما يقول المثل الشعبي " ما يسمع فيك لكلام" ، هو بالضبط ذالك الذي تتصل به الساعة الواحدة ليلا لتخبره أن سيارتك تعطلت في شارع بعيد دون تردد و دون أن تشعر بأي نوع من الإحراج ، هو من يفهم أنك لست بخير حتى وإن كنت تضحك معه وتطلق النكات ، فهناك تفصيلة ناقصة في تعابير وجهك أو نبرة صوتك يكون قادرا على استشعارها ، هو من تستطيع أن تخبره أنك فشلت في أمر معين دون أن تخشى أن ينظر إليك نظرة دونية .
ميزات الصديق الحقيقي كثيرة ، و بعض تلك الميزات غير قابلة للشرح والتعريف ، ولكن قبل أن تجد كل تلك الصفات عليك ان تسأل نفسك هل أنت صديق حقيقي لمن يضعك في تلك المنزلة السامية ؟ 
سؤال لا شك ان إجابته صعبة ، ولتكون كذالك ، عليك أن تعتمد دائما على الصدق في علاقتك به ، وتؤسس تلك العلاقة علىﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﺼﺔ ﻟﻠﻪ ﺩﻭﻥ ﻭﺟﻮﺩ ﺃﻱ ﻣﺼﺎﻟﺢ ﺃﻭ ﺃﻫﺪﺍﻑ ﺍﺳﺘﻐﻼﻟﻴﺔ منك ﻓﺼﺪﺍﻗﺎﺕ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ لا تدوم طويلا و تنتهي مع انتهاء المصلحة المرهونة بها ، أن تدعمه و تقدم له يد العون ، أن تكون حاضرا معه في فرحه وحزنه ، ان يشعر بأنك سند حقيقي .
ونختم بقول الشافعي في وصف أهمية الصداقة ودورها المحوري في حياة الإنسان
" ﻻ ﺧﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﺫﺍ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻚ ﻓﻴﻬﺎ ﺻﺪﻳﻖ ﺻﺪﻭﻕ ﺻﺎﺩﻕ ﺍﻟﻮﻋﺪ ﻣﻨﺼﻔﺎ "